ومن عذبوا حتى الموت زميلهم القيادي بالحركة الشعبية قطاع الشمال المرحوم «محمد كمال الدين صباحي» بسبب رغبته في الانضمام المبكر بحسابات التوقيت لانطلاق الحوار الوطني لجهود السلام بالولاية. من ضربوه حتى الموت كأنهم يسعون لبناء دولة صغيرة في «كاودا». وكأنهم لن يضعوا السلاح في يوم من الأيام ضد الدولة بإشارة من واشنطن أو بإيقاف واشنطن للدعم وتوجيهها لبعض دول الإقليم بإيقاف الدعم عن قطاع الشمال بالحزب الحاكم في جنوب السودان. ومن قبل انضم الزعيم الأول للحركة الشعبية جون قرنق إلى جهود السلام، فهل كان هناك من تربص به لاغتياله على طريقة موقف «أنانيا 2» من اتفاقية أديس أبابا مارس 1972؟ وقرنق نفسه ما كان وقتها ضمن عصابة «أنانيا 2». لكنه تفوق عليها لاحقاً في نسف ثمار اتفاقية أديس أبابا التي وقعت عليها مع حكومة نميري «أنانيا 1». والآن كان يمكن أن يفكر مالك عقار وعبدالعزيز الحلو بعد الإشارة الأمريكية في ترتيب سيناريوهات الانضمام بانتفاخ كذوب وإرادة زائفة لجهود السلام وأنشطة الحوار الوطني، وكان يمكن أن يعارضها القيادي بقطاع الشمال المقتول تعذيباً «صباحي». وحينها كان سيكون تعذيبه لأنه رفض الانضمام إلى جهود السلام وخالف بذلك رغبة عقار والحلو. وهنا نفهم أن تعذيب المرحوم صباحي حتى الموت ليس لأنه رغب في الانضمام لجهود السلام فكان يمكن أن يعذب بسبب رفضه الانضمام إذا كان هو رغبة القيادة العليا لقطاع الشمال بالحزب الحاكم في جنوب السودان. ونفهم إذن.. أن القضية ليست قضية جبال النوبة والنيل الأزرق، وإنما قضية أمزجة ومصالح قادة استأنفوا التمرد بدون دواعٍ منطقية وموضوعية بعد انفصال جنوب السودان. وطبعاً لولا هذا الانفصال لما كان استئناف التمرد في المنطقتين برعاية الحركة الشعبية بقيادة سلفا كير. والناس تتحدث عن أن سلبيات الانفصال هذا، هي أنه أثر تأثيراً شديداً على الاقتصاد السوداني وقيمة العملة. لكنها لا تنتبه إلى أن التأثير الأكبر هو التأثير على أمن واستقرار مواطني جبال النوبة والنيل الأزرق. لقد تأثر المواطنون في جبال النوبة لدرجة أن تعرضت الفتيات لمحاولات الاغتصاب وتعرضن للقتل في منطقة مندي بمحلية تلودي والفظائع التي ارتكبها عناصر قطاع الشمال في تلك المحلية وتلك المناطق معروفة. والسؤال هنا: هل كان استئناف التمرد بعد انفصال الجنوب في تينك المنطقتين لصالح قضايا أبناء المنطقتين أم كان هو جزء من برنامج الحركة الشعبية لما بعد استقلال الجنوب؟ والحركة الشعبية باسمها هذا تتمرد داخل العمق السوداني وبمؤامرة أجنبية مفضوحة ومكشوفة توفر لها منطقة «كاودا» كمركز وعاصمة للتمرد ومنطقة خضراء لقادة التمرد لحمايتهم من عمليات الدفاع الوطني السودانية. وباسم السودان تسمى الدولة التي تحكمها وتضيف إليها الجهة من جمهورية السودان «الجنوب» فاسم دولتها جنوب السودان وما كان لهذا الاسم داعٍ لاستمراره ولم يستفت فيه الجنوبيون المواطنون الذين لا ينبغي أن يستمر وصفهم بالجنوبيين بعد انفصالهم وتحويل إقليمهم إلى دولة. لكن الحركة الشعبية لها فرع اسمه قطاع الشمال له نصيب من ميزانيتها كما له حصة من عائدات صادرات دولة جنوب السودان، وهذا الفرع بهذا النصيب وهذه الحصة وبتوفير منطقة كاودا لتكون عاصمة له على طريقة رمبيك ونيوسايت أيام تمرد قرنق، يقوم بمهمة العمل في المشروع التوسعي لدولة جنوب السودان. وحينها تحكم كل السودان من «جوبا» أو على الأقل تضيف المنطقتين حيث تنشط فيهما الفرقتان التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي، تضيفهما إلى خارطة جنوب السودان تعديلاً لحدود عام 1956م. ويبرز حينها منطق محبوس الآن في الأجندة السرية يقول بأن حدود عام 1956م رسمها الرجل الأبيض دون مشاورة هؤلاء وأولئك. والآن أهل الشأن يريدون رسماً حديثاً. وتصفية محمد كمال الدين صباحي معناها أن جهود السلام لابد أن تنطلق بعد أن يتحقق تنفيذ برنامج الحركة الشعبية «لتحرير السودان» في المنطقتين. والحوار الوطني في برنامج الحركة الشعبية لابد أن تكون ثماره محاصصة «مناصب وامتيازات» وعودة حكم النيل الأزرق لعقار. ولابد أن يكون بعيداً عن شؤون المنطقتين لأن فيهما حسب اتفاقية نيفاشا برنامج «المشورة الشعبية». وهنا سؤال: هل أيضاً أشارت اتفاقية نيفاشا إلى استئناف التمرد في منطقتي المشورة الشعبية حال انفصال جنوب السودان كنتيجة لعملية الاستفتاء حول تقرير المصير؟. أم أن المنطقتين حسب تصريح جون قرنق وهو «تركنا لكم جنين تقرير مصير في رحم المنطقتين هو المشورة الشعبية» حسب تصريحه هذا لا ينبغي أن تنطلق فيهما جهود سلام برعاية الحكومة السودانية ولذلك كان «صباحي» ضحية لرغبته في الانضمام لجهود السلام في جنوب كردفان؟. إن قضية المنطقتين أهم من الحوار الوطني إذا فهمنا كل هذا ما دام أن آلية الحوار الوطني ترهن نجاحه بمشاركة زعماء الأرشيف وهم مازالوا في ضلالهم القديم. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 2015/10/8م