(ربما يقول أنه يحبك، ولكن انتظر، وسترى ما الذي سيفعله بك)،إن هذا المثل الشعبي السنغالي يقفز إلى الأذهان كل مرة عند النظر للسياسة الامريكية تجاه السودان.. والولايات المتحدةالأمريكية يشهد سجلها بأنها كانت أكبر قوة مؤيدة وداعمة، للنظم الديكتاتورية في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مادامت تؤدي هذه النظم دورها المطلوب في حماية مصالحها وتلبية أهدافها ومقاصدها. سواء أكان الرئيس الامريكي ديمقراطياً كما هو الحال الآن، أو جمهورياً كما يتمنى البعض – بالوهم – خصوصاً في السودان، فإن الامر واحد لأن منهج الذراع يمثل بنداً اساسياً وثابتاً في أبجديات السياسة الامريكية تجاه السودان... فقط قد تختلف الوسائل ولغة التعاطي، ولكن يبقى الهدف واحدا في نهاية المطاف! بعض الناس – وكذلك الدول – لا تستدل على الطريق الصحيح، الا بعد أن تتعثر خطاها على الطريق الخطأ.. وتأخذ وقتاً طويلاً حتى تتعلم من تجاربها وتستوعب تجارب الآخرين.. وأصدق مثال على الذي أقول به، هو السياسة الامريكية وأسلوبها في التعامل مع الأزمات السودانية! ورغم أن أمريكا مارست هذه السياسة العقيمة – بدرجات متفاوتة – منذ نصف قرن تقريباً، فإن أمريكا لم تحصد سوى المزيد من الكراهية خارج أمريكا، والمزيد من الكراهية والنقد داخل السودان!، إن المطلوب شئ أكبر واشمل وأعمق من مجرد تفنيد الحجج والذرائع الامريكية تجاه السودان، واثبات مدى ظلمها وغطرستها! أريد أن أقول، إن المطلوب شئ لا يصلح معه التشنج والانجرار الى الصدام المباشر مع امريكا، ولا يصلح معه الانبطاح والاستسلام المطلق للمشيئة الامريكية، وانما المطلوب هو ارادة رفض محسوبة تبدأ باثبات قدرتنا على احتواء الآثار المباشرة، ويصحبها اشارات جادة تعكس استشعار الجميع بأن الخطر لا يهددنا وحدنا، وانما هو مقدمة لخطر قد يطال الجميع تباعاً، بعد أن أصبح اللعب على المكشوف، واتضح أن سياسة الضغط متفق عليها. وما حيلتنا اذا كانت امريكا تتسارع لارضاء اصدقائها على حسابنا؟ ان علينا أن نكف عن الحديث الساذج بأن هذه السياسة لن تنال منا شيئاً، وأن نصارح أنفسنا – كمقدمة لمصارحة الآخرين، وفي مقدمتهم الشعب الامريكي – بأن هذه السياسة سوف تسبب وجعاً، قد ترتد سلبياً على الشعب الامريكي ومصالحه الحيوية في المنطقة. لقد آن الأوان لكي نتوقف عن اضاعة الوقت والجهد في مخاطبة الداخل بشعارات عن الصلابة والثبات – رغم اهميتها – وأن نوجه جهدنا الرئيسي نحو الرأي العام العالمي – بوجه عام – والرأي العام الامريكي بوجه خاص، اعتماداً على حقائق ثابتة ومنظورة على الارض، من نوع ما يجري وما تمارسه في المنطقة، ليفرز في النهاية كراهية عمياء ضد امريكا من قلب منطقة حيوية، ليس بينها وبين الامة الامريكية أي عداء سوى ما يصنعه ذلك الاندفاع الامريكي الاعمى، لارضاء اصدقائه وتلبية أهدافهم ومقاصدهم غير المشروعة في المنطقة. لابد أن تصل رسالة واضحة الى الرأي العام الامريكي، حول مخاطر السياسة الحمقاء التي تتبناها واشنطن تجاه السودان، والتي لن تفرز سوى مزيد من الفوضى وغياب الاستقرار، وتهيئة الاجواء المواتية لاتساع العنف ونمو الارهاب. لابد أن تخرج اشارات صريحة يتطابق فيها الخطاب السياسي المعلن للرأي العام السوداني، مع حقيقة الموقف السياسي الفعلي في الاتصالات والمشاورات التي تجري خلف الكواليس، ولن يعيب أن نؤكد في العلن استعدادنا للتجاوب مع الاشارات الامريكية التي تقول.. ان الباب ما زال موارابً، وإن قانون محاسبة السودان الذي اقره الكونجرس قد منح الرئيس الامريكي صلاحية رفع العقوبات، اذا اظهرت القيادة السودانية تعاوناً او حواراً من شأنه أن يؤدي الى التعاون، خصوصاً أن قنوات الحوار الدبلوماسي بين واشنطن والسودان مازالت مفتوحة وبمستويات رفيعة. معنى ذلك أن يرضخ السودان لأية شروط اذعانية تفرضها امريكا، ولكن المطلوب هو اغلاق الطريق امام اصدقائها الذين يتصيدون بعض ما يرد في الخطاب الاعلامي، والخطاب السياسي داخل السودان، لاظهار عدم استعداد السودان للتعاطي مع المطالب الامريكية واجراء حوار جاد وصريح بشأنها لعلي أكون اكثر وضوحاً وأقول.. إن عريضة الاتهامات الامريكية للسودان مليئة بالأخطاء والافتراءات، التي يمكن تفنيدها بالحوار، خصوصاً أن السودان يملك من الحجج والوثائق التي تدحض جميع الاتهامات. وربما يقول قائل : إن الإدارة الأمريكية لديها الكثير والكثير مما تخبئه للسودان، لأن لديها مخططاً مسبقاً للضغط عليه تباعاً، وأنه حتى لو نجح في دحض الاتهامات الراهنة، فإن واشنطن سوف تخرج باتهامات جديدة، على غرار النهج الذي احتضنت به المعارضة العراقية ضد النظام العراقي السابق! ثم إن امريكا قد تلجأ لتشديد الضغوط مباشرة ولن تعدم ايجاد الحجج والذرائع التي تبرر لها ذلك، تلك كلها أمور ينبغي التحسب لها من الآن، من خلال حوار سوداني صريح يخرج في النهاية باتفاق جديد ومعلن، حول استحقاقات المرحلة المقبلة وتحدياتها الصعبة، لحماية الوحدة الوطنية من مخاطر استهدافها! بوضوح شديد أقول.. إن شفافية الموقف السوداني سوف تزيد من قدرته على حسن التعامل مع الضغوط الامريكية وافشال المخططات الرامية للاستفراد بالسودان، وأظن أن أهل السودان (واعون) لذلك ومدركون لأهميته، كخطوة ضرورية لتفعيل الرفض للنهج الامريكي، وكشف قوى التحريض التي تستهدف مزيداً من التورط الامريكي في المنطقة لمجرد خدمة وتلبية الاهداف والمقاصد غير المشروعة.. وغير المقبولة أيضاً! وأظن أن تسارع الأحداث والتطورات يفرض علينا أن ندرك، أن السودان ليس سوى نقطة البداية في مخطط، ينبغي افضاله بكل أدوات الحكمة والعقل والحساب السياسي الصحيح. وعلينا أن نفكر بدقة وأن نتحرك بسرعة، وأن نتجاوز الاهمام بالذي حثد – وكيف حدث – الى الاهتمام الأوجب بالذي ينبغي علينا أنجاه قبل أن يستفحل الخطر! إن علينا أن نأخذ على محمل الجد، تلك التهديدات المتصاعدة من داخل أمريكا، تجاه السودان! وعلينا أن نلقي نظرة على متغيرات الخريطة الدولية، خصوصاً صوب الدول التي خفت صوت انتقادها للسياسة الامريكية في شكل اشارة لكل من يهمهم الامر بأنها لا تملك شيئاً ازاء سياسة (العصا الغليظة) التي تتبناها امريكا تجاه السودان! وليس يخفى على احد منا، أن اللجوء الى الأممالمتحدة في عصر القوة الأمريكية، لم يعد مجدياً، وقد يكون مصداقاً للقول المأثور – كالمستجير من الرمضاء بالنار - !، إذن فإن الخيار الوحيد أمامنا، مرهون بما نستطيع أن نفعله بقدراتنا وامكاناتنا الذاتية في المقام الاول. وليست هذه دعوة لليأس، وإنما هي دعوة للعمل.. وللعمل الجاد والصادق بكل حسابات القوة والعقل والمنطق، في مواجهة خطر داهم لا ينبغي أن نتركه حتى يستفحل! نقلاً عن صحيفة آخر لحظة السودانية 30/6/2010م