اتخذت وزارة الداخلية السودانية الأسبوع الماضي قراراً أغلقت بمقتضاه حدود السودان مع الجماهيرية الليبية. وقبل الخوض في أسباب القرار وتداعياته فان من المهم أن نشير إلى المقصود (قانوناً) من إغلاق الحدود بصورة عامة، فحين يقال أن دولة ما قد أغلقت حدودها مع دولة مجاورة فان هذا معناه، أن (إجراءات أمنية مشددة وتواجد امني أكبر) قد تم إجراؤه على تلك الحدود، اذ ليس معني الإغلاق هو منع الحركة أو الحيلولة دون دخول وخروج مواطني البلدين بالإجراءات المعتادة المعروفة. ولكن يتم التشدد في الفحص والتفتيش وتمشيط المداخل والمعابر بصورة اكبر ولعلنا من هنا نستشف دوافع القرار، فقد أبانت وزارة الداخلية أنها اتخذت هذا القرار لمعالجة تفلتات وأعمال إجرامية (نهب وعرقلة لحركة المواطنين) يقوم بمها بعض المسلحين وقطاع الطرق وهي بهذه المثابة احترازات أمنية ليس أدل على ضرورتها وصحتها من ابداء الجانب الليبي (تفهمه) لها وتقديره لظروفها. ومن المعروف أن السودان الذي يجاور عدداً من الدول (حوالي 9 دول افريقية)، ونظراً لكبر مساحته (حوالي مليون ميل مربع) فأنه يعاني من طول الحدود التي تربطه بهذه الدول المجاورة ومن ثم فهو لا يتساهل في هذه الحدود ولكن نظراً لطولها وصعوبة تغطيتها كلها وإحكام السيطرة عليها، فانه ينشئ معابراً ونقاط بعينها يحاول من خلالها تأمين هذه الحدود. وبالنسبة لحدود السودان مع الجماهيرية فهي طويلة دون شك، كما أنها تتصل بمناطق عديدة من ولايات السودان أهمها ولايات دارفور ومعروف أن دارفور تعيش حراكاً مسلحاً ويسو فيها اختلال أمني جراء التمرد الجاري هناك وأن كان خفت صوته مؤخراً بدرجة كبيرة وقلت الى أقل حد الهجمات العسكرية فيه. من جانب ثان فان قرار الداخلية السودانية – ونعتقد أنها غير ملزمة بقول ذلك صراحة – فيه احتراز مطول من وجود حركة مسلحة (حركة د. خليل) في طرابلس بالجماهيرية اذ بغض النظر عن موقف طرابلس، ومصداقيتها في طرد خليل أو تركه مقيماً على أراضيها وبغض النظر عما اذا كانت ليبيا تسمح لخليل بالعمل من أراضيها لقيادة هجمات عسكرية، فان حسن ادارة الامور فيما نظن يقتضي أن تحترز السلطات السودانية، وتفعل ما في وسعها للحيلولة دون تنامي أية أعمال غير مشروعة تأتي من تلقاء هذه الحدود. ويؤسفنا هنا أن نقرر أن طرابلس – حتى ولو اتخذت قراراً بطرد خليل – فهي دون شك ماطلت السودان في أمر استراتيجي حيوي يتنافي تماماً مع مقتضيات حسن الجوار والعلاقات الأخوية بين البلدين وقد قطع لنا مصدر سياسي عليم في العاصمة الخرطوم أن السودان لا يزال يضع تقديراً خاصاً لطرابلس، ولكنه قادر على التعامل بأوراق تؤتي ثمارها في مواجهة طرابلس – واذا اضطر لذلك – فسوف يفعل في الوقت المناسب!!