كما هو معروف فقد وعد القائد القذافي الرئيس السوداني المشير البشير عبر اتصال هاتفي جري بين الاثنين الاسبوع الماضي بعدم السماح للمتمرد الدارفوري الدكتور خليل ابراهيم المقيم بالجماهيرية للقيام بهجمات عسكرية ضد الحكومة السودانية انطلاقاً من طرابلس. وبالطبع في الأعراف الدولية فان الوعود التي يقطع بها القادة والرؤساء تعتبر بمثابة (كتاب مقدس) اذا جاز التعبير لأن رؤساء الدول هم الممثلين لارادة شعوبهم وهم بهذه المثابة المخول لهم وحدهم قطع الموعود واحترامها لأن ذلك أصبح التزاماً قانونياً وسياسياً وأخلاقياً للدولة بكاملها. وبالنسبة للسودان فان أقصي ما يفعله في هذا الحالة وقد تلقي رئيسه وعداً من أعلي سلطة علي الجانب الاخر هو أن ينتظر تحقق الوفاء بالوعد . غير أن هذا لا يعني أن (يطول انتظار)السودان ومن ثم يركز لأمر لا يدري متي يتحقق فقد كان الامر المتوقع هو أنه وبمجرد انتهاء الاتصال الهاتفي تتخذ الجماهيرية قراراً يقضي بأن يكون المتمرد خليل (مجرد لاجئ سياسي) لا يحق له – وفقاً للقانون الدولي – ممارسة أي نشاط سياسي أو لقاء مع قادته أو مهاتفة قادته الميدانيين. واذا فعل ذلك فانه يكون مستحقا الابعاد والطرد ولكن هذا للاسف الشديد – لم يحدث للتو من الجانب الليبي – وبحسب معطيات ومؤشرات عديدة فان طرابلس (لها حسابات خاصة) فيما يبدو في هذا الصدد لم تفصح عنها وكان واضحاً أن طرابلس (تتحدث بلسان) وتفكر (بعقل خاص بها) بحيث لا يتفق ما تقوله بلسانها مع ما تفكر فيه بعقلها. ولهذا فان دبلوماسياً ليبياً لم يجد حرجاً في القول ان طرد د. خليل من ليبيا لا يخلو من صعوبة نظراً الي أنه (ضيف علي القائد الاممي)!! وكأني بالدبلوماسي الليبي يريد القول – بصورة غير مباشرة – أن هناك (صعوبة في طرد خليل من الجماهيرية)!! ولم تجد الخرطوم مشقه في فهم الموقف ولهذا فان قرار اغلاق الحدود بين البلدين الذي اتخذته وزارة الداخلية السودانية يصعب بعضاً منه – وان لم تقل الداخلية السودانية ذلك صراحة – في هذا الجانب اذ أن من حق السودان بعد أن فعل ما بوسعه ولاحق القيادة الليبية وحصل منها عطي وعد أن يتخذ ما يراه مناسباً لصيانة أمنه وهذا في الواقع ما يدفع الان بحركة خليل الي جهة ليست في صالحها فالسودان – بهذه الاجراءات – سيعيق نشاط حركة خليل ويسجنه في مقره في طرابلس وسيجد خليل صعوبة أو استحالة في التواصل مع قواته في دارفور وحتي لو وجد سبيلا لذلك فان الحكومة السودانية التي كانت تعف عن القضاء علي قوات خليل أملاً منها في قبوله التفاوض قد تنجح هذه المرة في هذا الهدف فهي قوات مكشوفة ولم يعد لديها ذات الدعم السابق وهناك صعوبة في وصول دعم من الخارج. واذا قدر لخليل أن يحمل دعم من طرابلس فان ذلك سوف يكون هذه المرة مكشوفاً للغاية وسيفتضح أمر طرابلس وهي الان تترأس الجامعة العربية وسيكون من حق السودان التصدي لها. اذن لقد عقد الدكتور خليل موقفه بذات القدر الذي دفع فيه طرابلس لتنعقد علاقاتها مع السودان بغير داعٍ لذلك وفيما علمنا فان السودان بامكانه (قرص) أذن طرابلس وايلامها ان أراد ولكنه حتي الان يتمسك ويتحلي بالصبر وضبط النفس.