ليس من السهل – مهما تطرفت مواقف بعض دعاة الانفصال في الحركة الشعبية – التقليل أو الإستهانة بمشروع دعم الوحدة الذي يجري تنفيذه الآن عبر صندوق دعم الوحدة. فالمشروع ضخم للغاية وقد ابتدر فعالياته نائب الرئيس السوداني الأستاذ علي عثمان محمد طه الأسبوع الماضي حين زار الجنوب بمعية وفد مركزي عالي المستوى. تبلغ كلفة المرحلة الأولى للمشروع (ملياري دولار أمريكي)، وقد تم الآن الشروع في تنفيذ جزء منها بكلفة (200 مليون دولار) هي الآن قيد الإنشاء والتنفيذ الفوري. الحكومة السودانية تساهم في المشروع بنسبة (89%) بينما تشارك حكومة الجنوب بحوالي 11% ومن المعروف أن المشروعات تتضمن إنشاء طرق ومحطات مياه بمناطق هامة ومختلفة بالجنوب، وروعي فيها تحقيق أقصى درجات الإستفادة منها للإقليم كله باختيار مواقع مفصلية واستراتيجية هامة في الجنوب – وبحسب نائب الرئيس السوداني فإن هذه المشروعات كانت (قيد البحث والدراسة) منذ سنوات، وقد حان الآن أوان تنفيذها. وكعادته فإن طه لم يقرن تنفيذ هذه المشروعات باشتراط الوحدة، فالرجل أحد مهندسي اتفاقية السلام الشامل ولديه من الحقائق والدقائق الكثير مما يجعل ما يقوله وفعله ذا دلالة ومعاني. ولذا فإن البدء في تنفيذ هذه المشروعات يصعب ان لم يستحيل القول معها أنها ستكون (بلا جدوى) فمواطني الجنوب السوداني من الأساس ليست لديهم (مظالم اجتماعية) ولا يعانون من عقدة ثقافية او صعوبة انسجام مع بقية أقاليم السودان وقد أقر بذلك قيادي بارز بالحركة الشعبية وعضو بالبرلمان السوداني (جاكوب دوانق) حيث حصر هذا القيادي كل المشكلة على حد قوله في النواحي السياسية فقط، ومعنى ذلك أن مجرد شعور المواطنين الجنوبيين بأن الحكومة المركزية توليهم اهتماماً خاصاً وتنشئ لهم المشروعات الاستراتيجية الهامة وتعمل على تقديم التنمية والخدمات فلا مشكلة لهم. وبالطبع قد يتساءل البعض عن الحكمة من وراء هذا (الحضور المتأخر) للحكومة المركزية في الجنوب السوداني والامر في تقديرنا في غاية البساطة حيث لم يكن مطلقاً التزام جعل الوحدة جاذبة يقع فقط على الجانب الحكومي في الشمال، فقد كانت حكومة الجنوب ملتزمة بنص الاتفاقية بالقيام بدورها هي كذلك ولكنها للأسف الشديد لم تفعل، ولعل الامر الغريب – وهي احدى أهم متناقضات الحركة الشعبية – أن القيادي (جاكوب) وجه انتقاداً لاذعاً للحكومة المركزية في الخرطوم كونها لم تكن (تتدخل) باستمرار في شؤون حكومة الجنوب لكي تقوم الاخيرة بواجباتها ومسؤولياتها!! مع أن الرجل قيادي بالحركة ويعلم أن حكومة الجنوب تتمتع بصلاحيات كافية – بموجب الاتفاقية – ولم يكن من أحد يخالجه أدنى شك أن حكومة الجنوب في حاجة الى (دفع وتوجيه وارشاد) من الحكومة المركزية في شأن يخص اقليمها! وهكذا فإن العمل الذي بدأ ليس سهلاً وسوف تظهر ثماره اليانعة قريباً جداً وسيتضح أن ما تم انجازه في هذه الاشهر لم تنجح حكومة الجنوب في انجاز ولو نسبة 1% من طوال خمسة أعوام!