حرص شديد وغريب للغاية تبديه الحركة الشعبية هذه الأيام على تجاهل قضية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، واصرار أكثر غرابة على الزعم بعدم أهمية الترسيم والانتهاء منه قبل اجراء الاستفتاء المقرر للجنوب السوداني مطلع العام 2011. وكما شهدنا وسمعنا فإن الدكتور لوكا بيونق القيادي بالحركة ووزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء كان آخر الذين أصروا على إبراز هذا الموقف. وقبله كان أمين عام الحركة باقان أموم الذي استسهل الامر لدرجة اقتراحه اجراء الترسيم بعد أشهر من الاستفتاء. وبالطبع لم يفصح أي من هؤلاء القادة حتى الآن عن مبرراتهم حيال أمر استراتيجي وحيوي كهذا يصعب إن لم يستحيل تجاهله في ظل احتمال قيام دولة جديدة في الجنوب السوداني فيا ترى هل هنالك بالفعل مصاعب تواجه ترسم الحدود والى أي حد يمكن حل هذه المصاعب وما أهمية الترسيم نفسه قبل اجراء الاستفتاء؟ الواقع ان رئيس لجنة ترسيم الحدود البروفيسور عبد الله الصادق أعطى اجابة شافية للموضوع في حوار أجرته معه صحيفة الرأي العام السودانية – الأحد الماضي – فقد قطع البروفيسور بأن الخلاف حول الترسيم لا تتعدى نسبته 20% وأن 80% من هذه الحدود قد تم الاتفاق حولها على الورق والخرائط ويؤكد البروفيسور حديثه هذا بأن ممثل الحركة الشعبية في اللجنة (د. برنايا) قد أكدّ ذات هذه النسبة في حديثه للبي بي سي مؤخراً وحين سُئل الصادق عن إمكانية تنفيذ ال80% المتفق عليها قال ان ذلك ممكن بسهولة مشبهاً الأمر بعملية جراحية وأنه (عمل روتيني)، وأما عن ال20% المختلف حولها فقد قال ان يجري رفعها للرئاسة للبت فيها! ويتفق نائب رئيس اللجنة مع ما قاله رئيسها في أن المختلف عليه بسيط ويمكن التوافق حوله على الرغم من أنه أشار الى صعوبات مثل الأمطار والخريف وأما بشأن أهمية الترسيم نفسه قبل الاستفتاء، فإن نائب رئيس اللجنة العقيد مهندس (ريغ ديغول) يقول (وهو يمثل حكومة الجنوب في اللجنة : ان ترسيم الحدود يقلل من النزاعات، وفي الوقت نفسه يخلّف آثاراً اقتصادية ايجابية للغاية – على حد تعبيره – تتمثل في منع الاذدواج الضريبي، فإذا دفع المواطن ضريبة تجارية أو ضريبة قطعان في ولاية يمكن تفادي تكرار دفعها في ولاية أخرى اذا كانت الحدود مرسومة وواضحة، أما اذا لم تكن كذلك فهي تتسبب في نزاعات ومشاكل اقتصادية جمة. ويمضي العقيد ريغ للقول ان الترسيم له ايضاً آثار أمنية ايجابية حيث يحدد المهام الامنية والمسؤوليات لكل طرف. وهكذا يمكن القول ان الحركة الشعبية بوقوفها موقفها (الغامض) هذا إزاء عملية ترسيم قابلة للحل واصرار ممثلها في اللجنة على استحالة الفراغ من الترسيم قبل الاستفتاء في حين أن رئيس اللجنة (ومعه خبراء اكفاء) يقرون بامكانية الفراغ من الترسم قبل الاستفتاء هنالك أمر وراؤه خاصة وأن رئيس اللجنة أشار (بتلميحات) الى وجود (جهات ما) لم يسمها سعت لعرقلة عملية الترسيم خاصة حين احتاج الامر الى الاستعانة بوثائق في الخارج حيث جرت مماطلات ومماحكات غير مبررة. ومن المؤكد أيضاً أن الحركة الشعبية تريد استبقاء الامر لما بعد الاستفتاء حتى اذا تعلّق الاستفتاء بانشاء دولة جديدة يكون لهذه الدولة مشاكل ومنازعات مزمنة تعوق تقدم الشمال.