أدخلت الحركة الشعبية التي تقود الجنوب السوداني نفسها في مأزق من نوع فريد اذ علي الرغم من كل الحراك الجاري الان في السودان بشأن مالات الاوضاع عقب استحقاق الاستتفتاء المرتقب في يناير المقبل 2011 وعلي الرغم من اهمية طرح الحركة لرؤيتها السياسية الخاصة بها بشأن توجهها الي الوحدة أو الانفصال لتبني القوي السودانية مواقفها علي ذلك الا أن الحركة الشعبية لم تستيطع حتي الان الافصاح صراحة عن موقفها. وقد اضطر شريكها الوطني عبر الناطق باسم الحكومة السودانية ووزير اعلامها د. كمال عبيد لاستفسار الحركة عن موقفها وضرورة ايضاحه . وقيل د. عبيد فان قوي جوبا نفسها سألت الحركة هذا السؤال حين شعرت بأن الحركة تستهين بذلك وتلعب بموقف لا يحتمل التلاعب. ومن الخطل والعبث أن تشعر الحركة أنها فوق السؤال وأنه ما من احد له الحق في سؤالها. فالسياسي الحذق الماهر هو ان يحدد موقفه السياسي من أي قضية مطروحة اذا كان مؤمناً بموقفه ويملك أدوات الدفاع عنه وتنفيذه. ولهذا فان الذي يتهرب ويناور ويلف موقفه يثوب أسود بالغ القتامة والغموض سوف يفقد الجميع الشركاء والحلفاء وحتي الاعداء . صحيح أن تصرفات الكثيرين من قادة الحركة وفي مقدمتهم أمينها العام ووزير السلام فيها تشي بالتوجهات الانفصالية فهو جاب الدنيا مبشراً بالانفصال وطالباً الاعتراف بالدولة الوليدة ولكن في الوقت نفسه – فان ذات هذا القيادي ومعه قادة اخرين حين تجري محاصرتهم فانهم سرعان ما يخلعون قبعة الانفصال ويتحدثون حديث الوحدة ويقولون انهم يبحثون عن سودان جديد يتشح بوشاح العلمانية! ولسنا في حاجة لسؤال هؤلاء عن سر اخفاقهم (لست سنوات مضت) في تسويق مشروع سودانهم الجديد العلماني والنضال من أجله حتي يدين لهم السودان ويحكمونه علي هذا الاساس المنشود لديهم فقد كان متاحاً أمامهم العمل علي كافة المستويات من اعلي قمة السلطة (القصر الرئاسي حيث يشغل زعيم الحركة منصب الرجل الثاني الي ادني السلم في ولايات ومحليات الجنوب وولايات ومحليات الشمال قاطبة. لقد كانت الحركة الشعبية لخمس سنوات ونيف جزءاً أساسياً هاماً من السلطة الحاكمة ولو كانت (ماهرة وذكية) بحق لعملت علي انفاذ برنامجها السياسي وخوض الانتخابات علي هذا الاساس ومن ثم تكون قد كفت نفسها وجنوبها مشقة الاختيار الصعب التي تقف الان قبالته. ان الامر الجدير بالملاحظة هنا هو أن الحركة الشعبية تبرر – وبصورة ضمنية – توجهاتها الانفصالية المخفية بعدم تعاون الشركاء معها في جعل الوحدة جاذبة في حين أن المبرر الاساسي هو أنها فشلت فشلاً ذريعاً في ايجاد مواطئ قدم لها في السودان العريض وأهدرت خمس سنوات غاليات لم تحقق فيهم شئياً لا في الجنوب ولا علي المستوي المركزي القومي . ومن الطبيعي ازاء فشلها هذا أن يصبح موقفها غامضاً ومذبذباً ولكن عليها أن تسأل نفسها سؤالاً لا تعتقد أنها سألته وهو ماذا سيكون حالها لو جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الوحدة؟!