الحركة الشعبية لا شئ يزعجها هذه الأيام سوى الحديث عن تأجيل الاستفتاء المقرر له التاسع من يناير العام المقبل 2011 وهي ترى أن أي اتجاه لتأجيل الاستفتاء ينسف أحلامها في البقاء على قمة السُلطة في الجنوب خاصة اذا أخذنا في الاعتبار رياح التغيير والحراك الذي انتظم الساحة السياسية الجنوبية وظهور أصوات معارضة لقيام الاستفتاء في الجنوب دون توفير الضمانات الكافية وفي أولها ظروف مواتية من أمن وحرية تمكن شعب الجنوب من ممارسة حقه في التصويت لصالح أي الخيارين دون وصاية أو رقابة من أحد. الحركة وعندما فشلت في تحقيق مشروعها في السودان الجديد والذي ظلت تخطط لقيامه على انقاض السودان القائم الآن بمكوناته الدينية والثقافية والاجتماعية والعرقية, فالسودان الجديد كما أراد له مهندسو الحركة الشعبية سودان ألا هوية وألا عقيدة, لم يعد أمام الحركة سوى التعجيل بقيام الاستفتاء والتأثير على مخرجاته كما فعلت في الانتخابات وهذا هو الطريق الوحيد الذي يضمن لها السيطرة على الجنوب. إذ إنه وفي حالة تمت عملية الاستفتاء وسط أجواء ديمقراطية دون ترغيب أو ترهيب من أي جهة فإن النتيجة سوف تكون الوحدة لأن هذا هو خيار المواطن الجنوبي الذي خبر حكم الحركة الشعبية خلال الخمس سنوات الماضية. فقد كان حصاد تلك السنوات المزيد من الدماء والدمار والصراع القبلي وسيطرة قبيلة واحدة على مقاليد الأمور وتهميش القبائل الأخرى, إضافة إلى ما حدث في الانتخابات الماضية من تزوير لإرادة أبناء الجنوب مما أدى إلى حالة من الغليان وسط الشارع السياسي الجنوبي وتمرد الجنرال أتور (أحد المنشقين عن الجيش الشعبي) ابرز دليل على حقيقة الأوضاع في الجنوب. كل المؤشرات تؤكد أن الحركة الشعبية قد حددت خيارها قبل أن يصل إلى مرحلة التنفيذ العملي ففي خطوات استباقية اتخذت الحركة عدة خطوات في إعلان الجنوب دولة مستقلة فقد ذكرت مصادر أن الحركة الشعبية قد طرحت في وقت سابق مسابقة لتصميم علم دولة الجنوب, كما رفضت عرضاً من الهيئة القومية للاتصالات لادخال المدن الجنوبية في الكود القومي للاتصالات وفضلت الكود اليوغندي وغيرها من العلاقات الدولية خارج إطار السلطة المركزية والمكاتب الموازية للسفارات السودانية في الخارج والتي تقوم بتمثيل دبلوماسي كامل. فضلاً عما ظلت تؤكده الأصوات الانفصالية في الحركة والتي لا تتورع من الجهر بهذه التوجهات دون انتظار نتيجة الاستفتاء والذي من المفترض أن تحدد على ضوئه الوحدة أو الانفصال. وفي السياق طالبت مجموعة منشقة من الجيش الشعبي بولاية الوحدة المجتمع الدولي بالتدخل لتأييد مقترح تأجيل استفتاء الجنوب الى شهر يونيو من العام 2011 بدلاً عن يناير من العام نفسه وأرجعت المجموعة مطالبتها إلى صعوبات كثيرة تعوق عملية الاستفتاء في مقدمتها الصراعات الداخلية في الإقليم بسبب فشل حكومة الجنوب في إدارة الوضع هناك ومعالجة القضايا إلى قادت للأزمات التي ظلت تتفاقم يوم بعد يوم في الولايات الجنوبية المختلفة, وأضافت المجموعة أن أعداد النازحين نحو الشمال ظلت في تزايد مستمر نتيجة للتهديد الذي يتعرض له المدنيون من الجيش الشعبي ونتيجة للمجاعة وعدم توفر الخدمات الحقيقية للمواطن الجنوبي. وأكدت المجموعة أن حديث الحركة الشعبية عن الحريات والديمقراطية هي مجرد دعاية لم يتم تطبيقها على أرض الواقع إذ إنها تمارس أبشع ألوان البطش والقهر في الجنوب, وطالبت المجموعة في الوقت ذاته المجتمع الدولي بالضغط على حكومة الجنوب لعقد مؤتمر جامع لأهل الجنوب لتحديد هوية مستقبل الجنوب دون تهديدات من الحركة الشعبية. وكانت مفوضية الاستفتاء قد أعلنت في وقت سابق أن هنالك صعوبات فنية لإجراء الاستفتاء في موعده في يناير 2011م وأهمها عدم توافق الشريكين على اختيار الأمين العام للمفوضية, فضلاً عن الظروف الطبيعية وفي مقدمتها طول فصل الخريف في الجنوب مما يحول دون اكمال عملية تسجيل كل المواطنين في الجنوب, من جانبها اعترضت الحركة الشعبية على أي اتجاه للتأجيل واعتبرته خرقاً للاتفاق وهددت بإعلان الانفصال من برلمان الجنوب حال تأجيل الاستفتاء. المؤتمر الوطني من جانبه ظل يؤكد حرصه على قيام الاستفتاء نافيا أي اتجاه منه للتأجيل كما ظلت تدعي الحركة الشعبية, مطالباً بضرورة توفير مناخ مناسب لإجراء استفتاء نزيه وشفاف ومعبر عن إرادة أبناء الجنوب مبدياً قبوله لأي خيار تسفر عنه نتيجة الاستفتاء القادم. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 24/8/2010م