تعايش الساحة السياسية السودانية منذ فترة ليست بالقصيرة تداعيات تصاعد الخلافات بين العديد من فرقاء العمل الوطني السياسي بحكم تباين وجهات نظر الساسة باختلاف مرجعياتهم السياسية حول كيفية التصدي لتحديات المرحلة الراهنة. ووسط تواتر التصريحات بخصوص التقليل من أهمية جهود قوى رئيسية في الساحة السودانية بشأن ضرورة الذود عن وحدة البلاد في وجه الأطروحات السياسية المثارة من قبل بعض الأطراف والتي يعتبر فيها ساسة لا يعجبهم استمرار حالة الوحدة الراهنة ان وقت الوحدة قد فات، تتأكد أهمية أن يتواصل حوار النخب السياسية السودانية بالداخل والخارج بشكل هادئ وصريح ومتسم بالموضوعية لحلحلة كافة العقد الراهنة في مسارت التجربة السياسية. لقد تصاعدت اطروحات (قوى انفصالية) تسعى لإحباط من يدعون للعمل بإخلاص لتفادي (شبح انفصال الجنوب). وملخص الأفكار التي يستند إليها أصحاب دعوة «فصل الجنوب»، هو اعتبار أن «المؤتمر الوطني» يبادر الآن «بشكل متأخر للدفاع عن أطروحات ( الوطن الواحد )، أو صيغة «الوحدة الجاذبة»، المنصوص عليها في اتفاقية السلام الموقعة بنيروبي في يناير 2005. وللرد على ذلك الأمر، بشكل عام، فإننا نقول بأن قضية العض بالنواجذ على وحدة السودان هي قضية كل الشعب السوداني بقواه الحية من أحزاب ومنظمات للمجتمع المدني وتشكيلات الرأي العام بمختلف ألوان طيفه السياسي. ولن تكف الأصوات المخلصة عن بذل الجهد الصادق من أجل تحقيق هدف صد «دعاة الانفصال» وهزيمة أطروحاتهم بالفكر والمنطق وعبر ثوابت التاريخ والجغرافيا والتمازج الثقافي والتعايش بين كافة مكونات السودان على مدى قرون ماضية. إن الحديث عن الاستسلام لمد دعوات الانفصال التي يعتبرها البعض بمثابة الأمواج الجارفة والكاسحة التي لا يمكن مقاومتها حاليا، بإعتبار ان أوان تثبيت الوحدة قد فات، حسب ظنهم واعتقادهم، هو حديث مردود.. فمصالح السودان الاستراتيجية لا يمكن الاستهانة بها أو المساومة عليها.. ولذلك نرى بأن نقطة الارتكاز التي يجب أن يستند إليها دعاة تأكيد وحدة السودان على كل الخيارت التفتيتية الأخرى، هي مسألة الانحياز الى المصالح الوطنية العليا للسودان وشعبه والتي تشتمل على حماية الاستقرار ووقف كل محاولة للعبث بأمن البلاد أو رهنها لأي قوى أجنبية تحت دعاوي مثل القول بأن «الشمال قد ظلم الجنوب» وأنه قد حان الوقت لقيام ( دولة الجنوب المستقلة ). إن خطورة الأوضاع الراهنة على صعيد قضية تأمين الوحدة وما يرتبط بها من مصالح استراتيجية هي مصالح الأمن القومي السوداني الذي لا يمكن لعاقل أن يعتبره ملكا لحزب أو جماعة سياسية، تلك الخطورة تفرض أن تتداعى قوى السودان الحية لرص الصفوف وبذل الجهود المكثفة للحيلولة دون تمرير الأجندات الانفصالية تحت دعاوى غير حقيقية مثل الحديث عن تعرض الجنوب للتهميش. وفي سياق هذه الاشارة لابد من القول بأن منطلق الحديث عن أهمية تثبيت وتأكيد وصون الوحدة عبر هذه المحاولات التحليلية المستمرة منذ فترة لا يستند إلى الدفاع عن أطروحات سياسية حزبية وانما هو أمر ينطلق من المنطلق القومي المرتبط بقراءة تاريخ السودان الحديث وتطلعات بل وتضحيات أبنائه من خلال النضال لنيل الاستقلال ثم من خلال تفجير ثورتي اكتوبر 4 6 9 1و 5 8 9 1 الشعبيتين. فتطلع أهل السودان الرئيسي ينزع الى حماية الحرية من أي مهددات.لهذا فإن النضال من أجل صون الوحدة يمثل تهيئة للمناخ السياسي لاستكمال تحقيق تطلعات الشعب السوداني في تعزيز مسار التحول الديمقراطي الحقيقي في إطار توافقي قومي عريض. وبالعودة للأسئلة الرئيسية المطروحة الآن على صعيد قضية وحدة السودان، فإننا نقول أنه لا بد من إمعان النظر في مجمل مكونات المشهد السياسي الراهن، وهنا يأتي تساؤل منطقي وهو يتمثل فيما يلي: هل الأجواء السياسية الموجودة الآن بجنوب السودان تسمح بتنظيم الاستفتاء بالشكل الذي يتطلع إليه الجميع؟ وفي حال جاءت الإجابة ب «لا».. فكيف تنفذ اتفاقية السلام في ظل أجواء غير ملائمة؟ وعلينا أن نتساءل هنا: هل نضحي بالسودان .. أم أن لنا الحق لدعوة المراقبين الدوليين ليتأكدوا بأنفسهم من سلامة الأجواء في الجنوب من أجل إجراء استفتاء في ظروف ملائمة؟ إنه ليس من السهل أن نقبل بإجراء استفتاء دون توافر الشروط الموضوعية والأجواء السليمة لإجرائه.. إذ لا يمكن المغامرة بمستقبل السودان في حال عدم توافر الظروف المناسبة لتنظيم الاستفتاء.ونعتبر هنا بأن هذه النقطة بالتحديد تمثل نقطة بالغة الاهمية لا بد من وضعها في الحسبان خلال الفترة المقبلة للتعامل مع تطورات الأحداث بشكل يضع مصالح السودان العليا فوق أي مهددات لوحدته. من جانب آخر لا بد من الاشارة الى أمر آخر مهم وهو يتعلق بالخطة الاعلامية لأجل تهيئة مواطني جنوب السودان للتعامل مع هذا الاستحقاق الهام الذي أقرته اتفاقية السلام بنيروبي. فلا بد من إيلاء اهتمام لمسألة التحدث مع العديد من ابناء الجنوب عبر اللهجات المحلية الجنوبية وأن يتم ذلك في اطار ما نصت عليه الاتفاقية بأن يدعو الشريكان في الاتفاقية (المؤتمر والحركة) مجتمع الجنوب لتغليب كفة الوحدة. فلا مجال هنا لتعبئة تقوم على نزعات الدعوة للانفصال. وقد أكد محللون كثر بأنه من المهم في الفترة المقبلة ان تنظم عدة لقاءات جماهيرية مفتوحة بالجنوب يخاطب من خلالها الرئيس البشير جماهير الجنوب بحضور زعماء كافة قبائل الجنوب. فذلك سيشكل منطلقا رئيسيا لتعزيز خيار تأمين وصون وحدة السودان من أي مهددات تواجهها. المصدر: الوطن القطرية 2/9/2010