حتى الآن تمكنت كل من تشاد وكينيا – بجنان ثابت من كسر وتجاوز طوق محكمة الجنايات الدولي. وقبل أن نسترسل في هذا المنحي، فان من المهم أن نشير إلى أن مجرد تجاهل أعي دولة أفريقية مهما كان حجمها لمذكرة الجنايات الدولية، مع أنها عضو ومصادقة على ميثاقها يعتبر في حد ذاته موقفاً استراتيجياً يخصم كثيرا جداً من رصيد المحكمة ويجعلها مجرد هياكل فارغة المضمون، ذلك أن التصور الذي ساد في أذهان مؤيدي الجنائية وفي مقدمتهم مدعيها العام اوكامبو هو أن ال (22) دولة أفريقية الموقعة على ميثاق الجنائية لن تتواني ولن تالا جهداً في إنفاذ مذكرة التوقيف بحق الرئيس البشير وكان واضحاً أن مدعي عام المحكمة وفي مؤتمر كمبالا المنعقد في يونيو المنصرم لديه ثقة عمياء أن الرئيس البشير لن يجد دعماً من الدول الأفريقية وانه لن يجرؤ على زيارة دولة أفريقية من الدول الموقعة على الميثاق، غير أن الجميع فوجئ بان تشاد استقبلت الرئيس البشير في مؤتمر (س ص)، ثم تلتها كينيا في احتفالها بدستورها الجديد في أغسطس الماضي، أي في ظرف تقارب ويبدو أن هذا الموقف – الضربتين المتتاليتين للمحكمة – قد أثارت حفيظة الكثيرين ومنهم أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون الذي وجه نقداً لاذعاً لنيروبي بسماحها للرئيس البشير المشاركة في احتفالاتها غير أن كينيا ردت على انتقادات مون بقولها أنها تري أن الاستقرار في السودان مقدم على ما عداه لأن قضية الجنايات الدولية من شانها خلخلة الأمن والاستقرار في الإقليم وفي المنطقة ونقلت تصريحات عن نائب وزير الخارجية الكيني (ريتشارد اونيونوكا) قوله أن الاستقرار واستمراره في بلاده على ما عداه وهذا لا يتحقق الا باستقرار جيران كينيا ومن بينهم السودان. ومن المؤكد ان دولاً أفريقية عديدة الآن ما عادت تشعر بالحرج في تجاهلها لمذكرة الجنايات الدولية سواء لأن هناك قرار أفريقي (ملزم) صادر عن القمة الأفريقية تحظر التعاون مع المحكمة نظراً لتوجهاتها العنصرية أو لأدراك هذه الدول أن التزاماتها الإقليمية المحلية مع جيرانها تكتسب اولوية وأهمية عن قضية لا تزال مثار جدل دولي. ويتساءل عدد من المراقبين في لاهاي وفي عواصم أوروبية كبيرة عن ما يمكن أن تفعله المحكمة حيال هذا الوضع، بات من المفروغ منه استحالة تعاون دول القارة مع المحكمة ويكفي أن ذلك تحقق حتى الآن في دولتين مهمتين قاومتا كافة الضغوط – وهي ضغوط شديدة الوطأة – وتمكنتا من كسر حاجز الحرج. واذا جاز لنا أن نشير الى مآلات هذا الواقع، فان من المحتم أن الجنايات الدولية أخلت نفسها في نفق مظلم عليها البحث عن مخرج منه فالعلاقات الدولية خاصة بين دول القارة في حالة تنامي وتكتسب قوة يوماً بعد يوم ولن تخاطر دولة أفريقية – مهما بلغت بها الجرأة – في الخوض في أمر كهذا يجلب لها مشاكل هي في غني عنها. ترى ماذا ستفعل الجنايات الدولية بعد هذا الفشل الذريع؟