يا له من تعارض. في السنة التي يشهد خلالها كوكبنا معدلات الحرارة الأكثر ارتفاعاً في التاريخ، تمكّنت الولاياتالمتحدة من تحويل «التغيير المناخي» الى كلمة من ستة أحرف لا يتجرأ عدد كبير من رجال السياسة الأميركيين على التفوه بها على العلن. ولو كان الأمر مجرّد لعبة جماعية، لما استحق الكثير من الاهتمام. الا أن المحاولات الزائفة «لتكذيب» العلم المناخي كان لها تبعياتها الخطرة. ففي البدء، ساهمت في احباط تمرير مشروع قانون الطاقة-المناخ الضروري لتعزيز التكنولوجيا النظيفة المصنوعة في الولاياتالمتحدة، ما سيؤدي الى تخلّفها في الصناعة العالمية الأبرز التالية. ونصل بالتالي الى التعارض: في الوقت الذي سعى فيه الجمهوريون الأميركيون لتحويل التغيير المناخي الى مشكلة سياسية شائكة، حوّله الشيوعيون الصينيون الى مشكلة يجب العمل على حلّها. وقالت بيغي لو، رئيسة التعاون الصيني والأميركي المشترك في مجال الطاقة النظيفة، وهي منظمة لا تبغي الربح وتعمل على تسريع عملية خضرنة الصين، التالي، «ما من نقاش فعلي في الصين حول التغيير المناخي. فقادة الصين بمعظمهم مهندسون وعلماء، ولا يقدمون بالتالي على اضاعة وقتهم بالتشكيك في البيانات العلمية». وأضافت قائلة ان السعي لخضرنة الصين عبارة عن «نقاش عملي حول الصحة والثروة. ولا حاجة الى تسليط الأضواء على التبعيات المستقبلية ان كان الناس يرون التلوث ويأكلونه ويتنشقونه بأنفسهم كل يوم». اذاً، في حين حوّل الجمهوريون في الولاياتالمتحدة «التغيير المناخي» الى كلمة من ستة أحرف - أضحوكة - تمكّن الشيوعيون في الصين من تحويله الى كلمة من خمسة أحرف - وظائف. وقالت ليو، «تتحوّل الصين من مصنع العالم الى مختبر العالم للتكنولوجيا النظيفة. وتتمتع بالقدرة الفريدة على الجمع بين الرأسمال المنخفض التكلفة والتجارب الواسعة النطاق للتوصل الى النماذج الناجحة». كما خصّصت واستثمرت في المدن التجريبية للسيارات الكهربائية والشبكات الذكية والديود الباعث للضوء والكتلة الأحيائية الريفية والمجتمعات المنخفضة الكاربون. وتابعت قائلة، «تقدر الصين على تجربة الأفكار كلها لمعرفة ما نماذج التكنولوجيا النظيفة التي ستنجح وتملك الارادة السياسية الضرورية لنشرها بسرعة في أرجاء البلاد، ما يتيح لها خلق الوظائف والتعلّم بسرعة». الا أن قدرات الصين المحدودة تدفعها الى مدّ يدها الى الشركاء. وهذه فرصة بارزة لشركات التكنولوجيا النظيفة الأميركية - ان قمنا بدعمها. وقالت ليو، «في حين اشتهرت الولاياتالمتحدة بابداعها الجذري، عُرفت الصين بتفوّقها في التعديلات المبدعة». وتبرع الشركات الصينية في صنع مليار أداة صغيرة بقيمة فلس واحد ولكنها لا تبرع فعلاً في تكامل الأنظمة المعقدّة أو خدمة الزبائن. نملك (الى حد ما) هذه القدرات. وخلال اجتماع عُقد هنا للمنتدى الاقتصادي العالمي، التقيت مايك بيدل، مؤسس شركة أم بي أي بوليميرز التي توصلت الى اختراع العملية التي تفصل البلاستيك عن أكوام الحواسيب والأجهزة والسيارات الخردة ثم تعيد تدويره ليصبح أقراصاً صالحة لصنع البلاستيك الجديد، وذلك عبر الاستعانة بأقل من 10 بالمائة من الطاقة الضرورية لصنع البلاستيك البكر من النفط الخام. وأطلق بيدل على العملية تسمية «التعدين فوق الأرض». وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تمكّنت شركته من استخراج مائة مليون باوند من البلاستيك الجديد من البلاستيك القديم. يقوم الأميركيون باعادة تدوير قرابة «25%» من زجاجاتهم البلاستيكية. وتنتهي أغلبية النسبة المتبقية في مدافن القمامة أو يتم شحنها الى الصين ليعاد تدويرها هناك. ومن الصعب حث الناس على اعادة التدوير بانتظام. وللتغلّب على هذه المشكلة، وضع الاتحاد الأوروبي واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية - والسنة المقبلة الصين - قوانين حول مسؤولية المنتِج التي تستوجب جمع الأشياء التي تحتوي على سلك أو بطارية - من فرشاة الأسنان الكهربائية الى الحاسوب المحمول وصولاً الى آلة غسل الملابس - واعادة تدويرها على حساب المصنّع. وتمنح هذه القوانين بيدل مصدر المواد الخام الذي يحتاج اليه لقاء كلفة معقولة. (بما أن الأشخاص الذين يعيدون تدوير الأشياء يتنافسون الآن في هذه البلدان على الخردة، تنخفض تدريجياً الكلفة التي يتكبدها المصنّع لقاء جمعها). وقال بيدل الذي فاز مؤخراً بجائزة الابداع في مجال الطاقة/البيئة من مجلة ذي ايكونوميست لعام 2010، «أنا في الاتحاد الأوروبي والصين لأن المناجم البلاستيكية فوق الأرض تتواجد حالياً هناك أو يتم انشاؤها هناك. ولست في الولاياتالمتحدة لأن عدد المناجم فيها لا يكفي». وكان بيدل يملك المال الكافي للاستعانة بخدمات عضو واحد من أعضاء جماعات الضغط من أجل السعي لاقناع الكونغرس الأميركي بمحاكاة تشريعات اعادة التدوير التي وضعتها أوروبا واليابان والصين في مشروع القانون الأميركي حول الطاقة. ولكن في نهاية المطاف، لم يتم تمرير مشروع القانون هذا. اذاً، قمنا بتعليمه وسدّدنا كلفة انجازاته التكنولوجية - وسيستفيد الآن العمال الأوروبيون والصينيون من ثمار عمله. ألسنا أذكياء؟ المصدر: الوطن القطرية 22/9/2010