لم يجد الكتاب الذي يحمل عنوان كيف تحولت الاغاثة الى شن الحرب لمؤلفه كونور فولي والصادر عن دار فيرسو - لندن 2008 - (266 ) صفحة. ما يستحق من عرض واهتمام عندما صدر قبل عامين رغم انه من أفضل الكتب واعمقها في تحليل دور الاممالمتحدة ومنظمات الاغاثة الانسانية ومنظمات حقوق الانسان. يشير العنوان الى لون القبعات الزرقاء التي يعتمرها جنود الفرق التي تنفذ سياسات الأممالمتحدة. العنوان الجانبي الذي ترجمناه هو الموضوع الحقيقي للابحاث التي قسمها المؤلف الى تسعة تشمل الخلاصة: حقوق الانسان -التدخل الانساني - كوسوفا - افغانستان - سرى لانكا واندونيسيا - مسؤولية تستلزم الحماية - العدالة والسلام- المحاسبة الانسانية . بالكتاب فهرست ومراجع شاملة. ولد كونور فولي في انجلترا لأبوين ايرلنديين وعمل في منظمة العفو الدولية ومنظمة ليبرتي ومفوضية الأممالمتحدة للاجئين والمجلس النرويجي للاجئين ومنظمات أخرى الأمر الذي يجعله شاهداً يكتب بمعلومات دقيقة ادركها كممارس وزميل مهنة لا كمراقب او محلل. بدأ اهتمام المؤلف بحقوق الانسان إثر معاناة شخصية عام 1985 بلندن. كان الجيش الجمهوري الايرلندي قد أفلح عام 1984م في تفجير فندق «الجراندهوتيل» ببرايتون اثناء انعقاد مؤتمر حزب المحافظين. الحاكم قُتل عدد من المؤتمرين، ونجت رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر بأعجوبة. كان المؤلف في العشرين من عمره يقضي الليلة ضيفاً على صديق. كسر جنود مكافحة الارهاب الباب وارعبوا كل من وجدوه . فتشوهم في البرد القارس ثم اقتادوهم الى مركز استجواب واطلقوا سراحهم بعد يومين دون توجيه تهمة او اعتذار. خصص المؤلف معظم مقدمة الكتاب لدارفور وجعلها مدخلاً لباقي أبواب الكتاب. ذكر تكوين منظمة أئتلاف لانقاذ دارفور التي قادت حملة واسعة ادت الى اعلان كولن باول وزير الخارجية الامريكي ان دارفور بها ابادة جماعية. قالت المنظمة ان زمان التفاوض مع السودان قد انتهى وطالبت بتدخل عسكري يبدأ بفرض حظر على الطيران السوداني. بالغت كثيراً في تقدير الضحايا فزعمت ان اربعمائة الف قد لقوا حتفهم. تلت ذلك تصريحات تحذيرية من الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير تفيد بأنهما قد يلجآن الى تحرك عسكري اذا لم يفعل مجلس الأمن شيئاً. سجل المؤلف بعد ذلك انهيار سمعة ودور المنظمة تصدت لها منظمات اغاثة عاملة داخل دارفور. وقالت ان الدعوة لتدخل عسكري ستضر المواطنين. تلت ذلك صفة معنوية هائلة عندما شككت «وكالة مستوى للاعلانات» البريطانية الرسمية في الادعاء بأن اربعمائة الف قد قتلوا (كما ورد في اعلان مدفوع الأجر بالصحف البريطانية). اضطر ديفيد روبنشتاين - المدير التنفيذي للمنظمة - للاستقالة. انهارت سمعة المنظمة لأنها لم تذكر على الاطلاق ان الحركات المتمردة في دارفور اقترفت انتهاكات ضد السكان الآمنين. كما لم تعترف بأن الموقف الأمني تغير إلى أفضل. اعطى موقف المنظمة المتمردين ذريعة ليواصلوا التمرد على أمل ان يستدرجوا الجماعة الدولية للتدخل. قال المؤلف ان هذه الفكرة مجرد خيالات واوهام، واقتطف كلمات لورد مالوخ براون (وزير الدولة البريطاني السابق) الذي قال إن التهديد بالهجوم على السودان فارغ واجوف وهو مجرد تهديد لا أساس له من الصحة . كما اقتطف كلمات من بيان لوزارة الدفاع البريطانية يناقض تصريحات بلير ويقول بأن الوزارة ليست لديها أية خطة لهجوم عسكري بدارفور. ولعل أهم ما في الاشارات عن السودان جرأة المؤلف اذ كتب ما اكتفى غيره بالتعبير الحذر عنه او التنويه لذوي الفطنة والألباب. قال إن إدارة بوش وقادة المحافظين الجدد لم يخفوا على الاطلاق قولهم إن أزمة دارفور مناسبة تتيح لهم استهداف الحكومة الاسلامية السودانية وهيئة الأممالمتحدة . كما أن المناداة بحظر الطيران السوداني وجدت صدى عند كبريات منظمات اللوبي الاسرائيلي (AIPAC) لأنها تتسق مع موقفها الايديولوجي . إلاَّ أن أمر انقاذ دارفور انكشف لمعظم الناس الذين لا يعتبرونها محايدة او خيرية ولا يصدقون انها تريد «انقاذ دارفور». ذكر الكاتب ان منظمات الاغاثة تعتمد في تمويلها على الحكومات، بل ان دراسة (للمفوضية الدولية للتدخل وسيادة الدول) نادت بأن تضم المنظمات للجهات العليا التي تتخذ قرار التدخل وان يؤخذ رأيها بعين الاعتبار. أي ان المنظمات التي كونت للاغاثة والانقاذ تصير دليلاً للتدخل العسكري والهجوم. بكلمات أخرى: حاميها حراميها. تناول المؤلف موضوع المحكمة الجنائية الدولية فقال ان الفكرة نبيلة لكنها ناقصة لأن «العدوان» (AGGRESSION) لا يدخل في صلاحياتها، وهي لن تنظر في غزو افغانستان. لن تصير أداة للعدالة الدولية المحايدة كما يدعى مؤيدوها، وقد برهنت في يوغندا انها عرقلت المصالحة كما اتضح بالسودان انها محكمة بلا اسنان. قد ينتهي الأمر بتحولها الى أداة دبلوماسية للضغوط وليس أكثر. يستوقف المرء في الكتاب قول المؤلف، ان مفهوم حقوق الانسان الذي حدده وأشرف على «تصديره» الليبراليون الغربيون ليس المفهوم الوحيد دولياً. وأنه يظل مختلاً ما لم يتصل بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية لأن حقوق البشر تنتهك بسبب الخلل في موازين الثروة والسلطة الدوليين. بالبرازيل الآن «المنبر الاجتماعي الدولي» الذي يناقش هذه القضايا كل عامين ويناقش ضرورة إصلاح الأممالمتحدة . نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 17/10/2010م