تتزايد يوما بعد يوم ضرورة التقاء القوى السودانية الرئيسية والفاعلة على مواقف موحدة لمجابهة تحديات تنظيم استفتاء الجنوب، واكمال مسيرة سلام دارفور بالصورة التي توفر أرضية سياسية قوية تستند على دعائم حقيقية للاستقرار. ان المخاوف تتصاعد بالفعل من امكانية تزايد حدة خلافات «المؤتمر» و«الحركة»، بكل ما يعنيه ذلك من احتمالات مفتوحة، قد تصل اذا تصاعدت الى مدى كبير لتصل الى درجة نسف اتفاقية السلام، رغم انها وقعت امام انظار ممثلي دول (شركاء ايقاد) وبينهم دول غربية وافريقية. ونقول ان حقيقة تدهور صورة الوضع السياسي في السودان داخليا، لا تخفي على أحد.. لكن ذلك الاعتراف بخطورة الاوضاع السياسية وما قد يصنعه ذلك من مخاطر على أمن الوطن والمواطن على ارض المليون ميل مربع، من حلفا شمالا الى تركاكا جنوبا، ومن التاكا شرقا الى الطينة غربا، نعيد القول بأن ذلك كله، لا يعني الاكتفاء ب «الفرجة» على الاحداث.. فصعوبة اختبارات السياسية تحفز السياسي الحق على اختبار اسلحته الفكرية والذهنية ليحاول جاهدا تحقيق الاهداف المرجوة، ونقصد هنا الخلاص من «قتامة» الواقع السياسي المتعلق باحتمالات بقاء السودان موحدا، وسط العواصف الراهنة. ان للساحة الوطنية السودانية ساستها ممن عركتهم الاحداث، وممن جابهوا اعتى المخاطر داخل الوطن وخارجه، وهم بكل تأكيد يستطيعون حلحلة كل تعقيدات المشهد السياسي الراهن. لقد ظل المخلصون في عشقهم للسودان الوطن الواحد، يواصلون رصد العديد من الاشارات التي تزدحم بها آفاق المشهد السوداني في الوقت الراهن، وبين ذلك كله فقد ظلت حالة التفاؤل لدى الكثيرين تأتي وتذهب كالمد والجزر في البحر. والمدهش انه وسط اشد لحظات مواجهة التصريحات النازعة لتصعيد العداء المفتعل والمتوهم، بين سودان شمالي وآخر جنوبي، تقفز الى المشهد تصريحات متعددة تقول بأنه لا مجال لليأس، وأن ما ترسخ من وحدة وطنية على ارض السودان عبر كل العقود الماضية لن تفلح عواصف الحاضر في نسفها. ونرى بأن أكثر ما يعول عليه (دعاة الوحدة) الآن هو الدعوة للحوار الهادئ العقلاني بين مختلف اطراف العملية اللسياسية.. والعملية السياسية هنا، وبمنطق تطور الواقع السياسي اقليميا ودوليا ،لم تعد قاصرة على القوى المشاركة في الحكم، وانما للمعارضة اهميتها ولها دورها ولها كلمتها، مهما يتذرع البعض بأن هناك قوى لم تشارك في الانتخابات الاخيرة وليست شريكة في حكومة الوحدة الوطنية (حكومة القاعدة العريضة)، التي نادت بها ونصت عليها اتفاقية نيفاشا، وبالتالي فهي قوى - بهذا الفهم - خارج اطار الفعل السياسي. ونعود بالتسلسل المنطقى لهذه الاطروحة التحليلية لنقول بأن الحوار بين نخب السياسة والفكر وايضا بين كافة مكونات المجتمع السوداني العريض في كل مدينة وفي كل قرية ووسط مكونات جاليات السودان في المهجرين العربي والغربي، هو حوار لا مفر منه.. ذلك انه في حال التقليل من اهمية حوار الافكار فان الساحة قد تخلو لا قدر الله لمن يتصرفون عبر اللجوء لمنطق العنف، ونشير هنا الى ان بعض قادة الحركة باتوا يتحركون في المشهد السياسي معتبرين ان الحسابات الراهنة هي حسابات منطق القوة وليست حسابات الفعل السياسي المستند الى الافكار الحرة التي تحترم الرأي والرأي الآخر. ان غياب الحوار قد يؤدي لتصاعد بعض الاشتباكات غير المحبذة والمرفوضة بالطبع من الشارع السوداني العريض، ومنها الاشتباكات التي دفعت الشرطة السودانية مؤخرا للتدخل لوقف العنف والعنف المضاد.. في الوقت ذاته فان المراقب يلحظ ان المنطق العقلاني الداعي لاجراء استفتاء نزيه وشفاف في اجواء طبيعية وهو المنطق الذي دعمته بقوة الجامعة العربية خاصة في مؤتمري سرت الخيرين، ودعمه الاتحاد الافريقي، هو المنطق الذي يرسم الصورة المطلوبة لتجاوز مخاطر الطريق بينما تتقدم خطوات السودانيين شمالا وجنوبا لانجاز الاستفتاء للتأكد من الوحدة ستكون طوعية. ونمضي هنا لنقول بأنه اذا كنا مع الكثيرين ننادي بأن لا تكون الوحدة قسرية فاننا بالمثل ننادي مه هذه (الأكثرية) الى ان لا يكون الانفصال قسريا. انه ليس من حق بعض قادة الحركة ان يجهروا الآن بتحبيذهم للانفصال، فالاتفاقية - في الوقت ذاته - لا تعطي أحدا ذلك الحق..حيث ان الاتفاقية تقوم على تأكيد ان شريكي الاتفاق يعملان من اجل ان تكون الوحدة جاذبة وهوعمل يجب ان يستمر حتى آخر لحظة تفصل السودان والسودانيين عن موعد الاستفتاء: (9 يناير 2011). ان وقوع مخالفات لاتفاقية السلام قد يؤدي الى عدم اعتراف الحكومة السودانية بنتيجة الاستفتاء المرتقب اذا تم دون توفير فرص النزاهة والشفافية والحرص على عدم ابتزاز الناخب الجنوبي او ترهيبه او ترغيبه.. فقضية وحدة وطن لا يمكن التعامل فيها بمنطق السوق، منطق البيع والشراء.. فاذا كان الحديث قد ظل يثار قديما، على مستوى عدة دول من دول العالم الثالث، خصوصا في اعوام الستينيات والسبعينيات، بأن صوت الناخب هو صوت مطروح للبيع ومتاح لمن يدفع اكثر فان منطقا كهذا لا يمكن تصوره او القبول به في امر استفتاء تقرير مصير جنوب السودان. لقد تحدث العديد من الساسة الوطنيين داخل السودان وخارجه منددين بمسألة اختطاف الاستفتاء واستباق نتيجته عبر محاولات ساسة ينتمون للحركة وعبر محاولات مسؤولين غربيين، مثلما فعلت وزيرة الخارجية الاميركية حين قالت ان انفصال الجنوب حتمي، نقول بأن الساسة المخلصون في اطروحاتهم من اجل السودان وشعبه بادروا برفض الاختطاف والاستباق.. لهذا فاننا نرى بان اية محاولات جديدة لبعض قادة الحركة لتحريك مسار الاحداث نحو الفوضى او نحو نسف الاستقرار تمهيدا لما قاله البعض منهم بانهم سيجرون الاستفتاء بأنفسهم اذا تأخر دقيقة واحدة عن صباح التاسع من يناير.. نرى ان هذه المحاولات لن يقبل بها الرأي العام السوداني. ونقولها صريحة أنه حين يتصاعد التآمر الراهن وهو الآن تآمر مكشوف، فسوف تفرض التطورات الحالية ان يراجع قادة العمل الوطني ،حكما ومعارضة اطروحاتهم ومواقفهم ليقرروا حينها: هل سيقبلون باختطاف ارادة ابناء الجنوب وهل سيرضون بأن تتحكم قوى خارجية و«على عينك يا تاجر» بتقرير مصير جنوب السودان وبالتالي مصير السودان ومصير الامة العربية والقارة الافريقية المتأثرة بحال السودان في كل الأوضاع سلما وحربا؟. ما نود توضيحه اجمالا هو ان المرحلة الراهنة بمخاطرها غير المسبوقة التي تمس (اللحم الحي) والتي تمس (الخط الأحمر) لأي دولة ولأي شعب ولأي امة.. تؤكد حقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن الحسابات السياسية الجديدة المتوقعة وسط ارهاصات تطورات المشهد السياسي في السودان، لن تكون مماثلة للقديمة ولن يتم القبول بالتآمر العلني على وحدة السودان. المصدر: الوطن القطرية 16/10/2010