بعض الحقائق قد لاتكون مستساغة، وقد لاتخضع لاعتبارات انسانية او منطقية، بل قد تتعارض مع هذه الاعتبارات، ولكن مع ذلك تظل حقائق ثابتة املتها ضرورات، او خلقتها ظروف تاريخية لامناص من قبولها وإلا اختل نظام الكون . و من هذه الحقائق مايتعلق بارتباط الانسان بالارض. فالارض هي التي تمنح الانسان هويته ووضعه القانوني، وعليها تتحدد جنسيته وحقوقه ومسئولياته. ومتى تغيرت مواصفات الارض وهويتها تغيرت هوية الانسان وعلاقاته. ومن هنا اصبح للانفصال خطره واهميته. فهو يغير في التو واللحظة هوية الانسان كما يربك في بعض الاحوال اساليب حياته وكسب عيشه . ومن هنا كانت محاولاتنا الموضوعية البحتة لتوضيح حقائق قد تبدو مربكة وغير مقبولة للأخوة الجنوبيين حول وضعهم في الشمال حال اعلان الانفصال. اذ يصبحون- واقعا وقانونا - رعايا دولة اخرى بغض النظر ما اذا كانت لهم يد في ذلك وما اذا كان الانفصال قد تم برضاهم او رغما عنهم. وقد كان هذا التوضيح عملا وديا خالصا لاينتج عن غضب او رغبة في الانتقام او يعبر عن كراهية. او دعوة لابعاد الجنوبيين بين يوم وليلة- وهم لنا اخوة- بما يتعارض مع اخلاق السودانيين المعروفة عبر الاجيال .وقد املى ذلك التوضيح ضرورة تفنيد بعض المفاهيم الخاطئة المضللة التي ظلت تروج لها الحركة الشعبية عن جهل بحقائق الاشياء او عن غرور بقدرتها ان تفعل الشئ ونقيضه، وتتلقى بيد وتصفع باليد الأخرى، وما تشيعه بين الاخوة الجنوبيين ان الانفصال لن يؤثر على وضعهم او ممارستهم للعمل السياسي المعارض. منطلق هذا الغرور ان قادة الحركة الشعبية قد ادركوا من خبرتهم ان القوى المعارضة في الشمال ستظل منقادة لهم خاضعة لارادتهم مهما فعلت . ما دامت هذه الحكومة قائمة وماظلت هذه القوى عاجزة عن ازالتها، حتى لو ادى ذلك الى اشعال الحروب، وتدمير البلاد واستسلامها للقوى الاجنبية. ولهذا لم يفصح قادتها بكلمة واحدة تؤيد ماخاضت فيه الاقلام والتصريحات حول وضع ابناء الجنوب في الشمال اذا انفصل الجنوب. بل كانوا سعداء بما اثاره السفهاء حول تصريحات زعامة حزب المؤتمر الوطني حول هذه المسألة. وما نعود الى ذلك الحديث رغبة في تكرار ما قلناه ونظل نؤكده ان الانفصال يجعل الاخوة الجنوبيين في الشمال رعايا دولة اخرى، وانه ليست هناك قوة في الوجود داخلية او خارجية تستطيع ان تمنح من التنازلات او تفرض من الاملاءات ما يغير هذه الحقيقة. ما عدنا لذلك إلا لاننا نريد ان نحمل هذا المبدأ جنوبا ونطبقه بنفس الموضوعية والتجرد على اشقائنا واحبابنا ابناء قبيلة المسيرية . ولهم كما لغيرهم من القبائل الشمالية حقوق راسخة لايغيرها قرار الانفصال. ولهم ايضا بعض الحقوق التي ظلت تمارسها مثل التوغل في ارض الجنوب طلبا للمرعى بفضل ماتتمتع به من حقوق المواطنة في تلك الارض .وهذه لابد ان تتأثر في حال انفصال الجنوب، اذ تفقد هذه القبائل الحق في الدخول والرعي في ارض دولة اخرى دون موافقة الدولة المعنية ووفق اتفاق محدد بشروطه وقواعده. وعلى الحكومة في الشمال ان تسعى لايجاد البديل لهذه القبائل وبصورة دائمة باستنهاض همم الشعب السوداني ودعوة الدول المانحة. او كما قال القارئ الفطن طارق عبد الهادي من السعودية :«ان دخول هذه القبائل الرعوية داخل حدود الجنوب ينبغي ان يكون شيئا من الماضي. لنقسم المنطقة ونحدد حدودنا. ثم علينا ان نعوضهم بمزارع حديثة تحفظ ثروتهم . نحن اهل الشمال مستعدون ان تفرض علينا رسوم ونتحمل ذلك لقيام تنمية حديثة، وليصبح ابناؤهم مهندسين ومحاسبين واطباء ، مع تمييز ايجابي بالجامعات. هذا الثمن ندفعه افضل الف مرة من الحرب .» نقلاً عن صحيفة الراي العام 19/10/2010م