من كثرة ما يسمع المتابع لأحداث السودان فإن التقلبات التي تجري في الجنوب تبدو أحيانا وكأنها تفوق ما يتصوره. فالتقلبات دليل على الميل للتغيير مثلما أن الهدوء والصمت قد يكونان مقدمة لأشياء كثيرة من بينها الضعف والموات. زيارة الدكتور لام أكول لجوبا والتقائة بزعيم الحركة الشعبية الجنرال سلفا كير قد تفسر بتفسيرات كثيرة لعل أقربها التفسير المرتبط بالواقع المرئي. على عكس ما يتوقع الكثيرون فالدكتور لام أكول من المؤيدين للإنفصال، وإذا تذكر القراء فإن تحالف الحركات الجنوبية برئاسة الدكتور رياك مشار الذي وقع اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1998كان أبرز أعضائه لام أكول .. ذلك التحالف كان تحالفا انفصاليا لأن كل قادته كانوا محسوبين على الفكر الإنفصالي. وعلى ما أذكر لم يرشح من دكتور لام منذ تلك الأيام أي كلام مؤيد للوحدة، لكن لأنه كان على علاقة طيبة مع الخرطوم، ولأنه لم يكن سياسيا مشاكسا، ولأنه اعتبر نفسه وزيرا لخارجية السودان وليس وزيرا لخارجية الحركة الشعبية فقد اختلط على معظم المتابعين الجمع بين الموقعين : الوزير (الاتحادي) والوزير (الوحدوي)، فقد كانت السياسة الخارجية أقرب إلى مرئيات المؤتمر الوطني بحكم أن بصمة المؤتمر الوطني كانت أبرز البصمات على تلك السياسة لأن المؤتمر كان صاحب الأغلبية في حكومة الوحدة الوطنية. هذا أحد وجوه لام أكول. الوجه الآخر كان الوجه الدبلوماسي الراقي، فقد ابتدع فكرة التمييز بين المنصب الاتحادي الذي تحكمه مرئيات الحكومة الاتحادية والمنصب الولائين أو الاقليمي الذي تحكمه مرئيات الحكم الإقليمي. فلم يخلط بينهما برغم أنه كان يومها ينتمي للحركة الشعبية. وقد أثار دكتور لام يومها إعجاب التجمعات الدولية والإقليمية وكل محفل خارجي مثل فيه السودان، لكنه في نفس الوقت تلقى انتقادات حادة من قيادة الحركة الشعبية وهي انتقادات كلفته في النهاية منصبه في الخارجية لكنه في المقابل انسحب من مناصبه القيادية في الحركة، ثم من كل وجوده فيها. هناك وجها ثالثا لدكتور لام وهو وجه الزعيم الأكثر تقلبا في السياسة السودانية. وإذا صح خبر مفاوضاته للعودة للحركة الشعبية فستكون هي المرة الثالثة التي ينضم فيها للحركة بعد استقالتين مدويتين. وكوّن جزبين لم يعمر الأول طويلا، وما زال الحزب الثاني رهن التجربة. قصر النفس واستعجال النتائج كانا آفته وآفة تقلباته السياسية. عدة تساؤلات طرحتها هذه التقلبات، من بينها هل كان وجوده داخل المؤتمر الوطني أو في محيطه إشارة إلى اتجاه وحدوي، أم أنه كان انفصاليا داخل الحركة الشعبية وداخل المؤتمر الوطني وفي محيط المؤتمر الوطني .. ومن بينها ما هو الثمن الذي سيقبضه في عودته للحركة الشعبية. والثمن ليس بالضرورة أن يكون ثمنا ماديا أو منصبا، وإنما يمكن أن يكون انفتاحا واعتدالا في سياسة الحركة الشعبية يمكنه من تحسين أدائه السياسي في المجتمع السياسي الجنوبي وتطوير وضعه فيه. وبعد .. الآن ماذا يريد دكتور لام هو السؤال الذي لم تتضح معالم الإجابة عليه بعد. وقد يبقى كذلك غامضا في المرحلة القريبة القادمة .. دعونا نستكشف ونرى. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 21/10/2010م