صحيح ليس كل من رأى كمن سمع والذين لم تُتَح لهم فرصة الدخول إلى معسكرات النازحين بولايات دارفور يسمعون كثيراً من القصص والأحاديث ما يعجز العقل عن تصديقه ولكن الصورة قد تختلف عندما يقف العقل على الحقائق الماثلة على الأرض، والصورة لمعسكرات النازحين كما ترويها «الإنتباهة» التي وقفت ميدانياً تختلف عن ما يروجه الكثيرون في الخارج وتدحض كثيرًا من الحديث عن الأوضاع بها.. ولكن مهما كانت نتيجة هذا الموقف فإن الرأي الأخير للنازح أنه يريد العودة إلى دياره التي فقد فيها الأب والأم والأبناء والأهل. معسكرات دارفور ليست غاية لكل نازح خرج مجبراً بسبب الأوضاع الأمنية ولكنها وسيلة لاتقاء شر الحرب ورغم ذلك ليست الصورة كلها وردية بمعنى أن وجود المعسكرات استُغل لصالح أجندة سياسية لبعض السياسيين والأحزاب، وأجندة اقتصادية لبعض سماسرة الكوارث وتجار الحرب فالصورة ليست كلها واحدة فهي تختلف. معسكر كلمة مجرد ذكر اسم المعسكر ترتجف منه الأبدان وتقشعر منه الأنفس بالخوف للسمعة السيئة التي ارتبطت به، وعندما تذكر أنك قمت بزيارة إلى (كلمة) يرتبط اسمك بالمنظمات الأجنبية التي أحدثت تحولاً كبيراً في سلوكيات النازحين، من داخل معسكر كلمة عندما وقفتُ عليه وجدت أن معظم سكان المعسكر ينحدرون من قبائل البرقو والداجو والسلامات والتاما وبعض الفور.. هل تصدق أنه يُوزّع لهؤلاء داخل المعسكر غذاءً مكونًا من القمح بجانب الدقيق والزيت وهم الذين يعتمدون في غذائهم على الذرة؟!. يقول لي أحد النازحين داخل المعسكر ويدعى أبكر آدم محمد إن بالمعسكر حوالى «1300» أسرة يشكلون كل ولايات دارفور وأكد أن النزاع القبلي الأخير أدى إلى نزوح عدد كبير منهم. ويقول لي أحد الإعلاميين بالولاية إن عددًا كبيرًا من سكان المدينة رجعوا لديارهم وبيوتهم عندما اشتدت المعارك داخل المعسكر أخيراً.. وأردف أن عددًا من النازحين يملكون عقارات وعمارات بالمدينة يؤجرونها للأجانب والمنظمات ويستغلون المعسكر للعيش فيه. والحقيقة التي يجب أن تقال إن «كلمة» ليس بالهالة الإعلامية والخوف الذي تصوره الأجندة الإعلامية، فربما أثرت فيه بعض المعطيات السياسية الداخلية وجعلت منه حملاً وديعاً. ليس لأحد من النازحين رغبة في العودة من المعسكرات ويبدو أنهم تطبّعوا على الحياة فيها، ولذلك جرت في السابق كما روى لي أحد شباب النازحين جرت مباراة في كرة القدم بين فريقي المعسكر والهلال واستطاع الأول هزيمة الثاني وأحد المهاجمين بالولاية وهو الأول بالولاية أحد سكان المعسكر، هل تصدق أن أحد سكان المعسكر يؤجر منزله لإحدى المنظمات ب «10» ملايين جنيه وعندما وقعت الاشتباكات الأخيرة داخل المعسكر عاد وطلب إخلاء منزله؟!. لقد كان لي شرف مرافقة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة فاليري أموس لولاية شمال وجنوب دارفور والتي تفقدت فيها على الأرض الأوضاع الإنسانية للنازحين ولكن الشيء الذي خلصت إليه الزيارة أن الأممالمتحدة لن تستمر في تقديم الدعم بالكيفية والكمية التي تجعل بعض السكان المحليين يفضلون النزوح من أجل الغذاء. النازحون من «كلمة» لقد وقف وفد الأممالمتحدة على أوضاع النازحين في معسكر كلمة بعد الاشتباكات التي وقعت بين مجموعتين إحداهما رافضة والأخرى مؤيدة للمشاركة في مفاوضات الدوحة.. الاشتباكات أدت لنزوح «200» إلى «300» أسرة، والشيء اللافت للنظر أن كل تلك الأسر موجودة داخل منزل «400» متر وفيه غرفتان وصالتان.. ورغم الحالة الجيّدة للنازحين إلا أن شيخ العائدين ويدعى نجم الدين جمة قال لي إنهم قرروا العودة إلى مناطقهم، وأضاف: ليس هناك من أجبرهم على ذلك، وذكر أن عدد العائدين في حدود «1500» شخص يشكلون قرى أندسا، أترى، وأندا، وأم منقارة وغيرها يشكلون محليات وادي صالح وأزوم. معسكر سكلى نيالا أصبح المعسكر جزءًا لا يتجزأ من مدينة نيالا ويبدو أن إحدى المنظمات بدأت التفكير والتنفيذ في معالجة السكن العشوائي للنازحين، حيث تقوم منظمة «هيبات» بتصنيع الطوب المضغوط الذي يُستخدم في تشييد المنازل وبالفعل قام وفد الأممالمتحدة بالوقوف على تجربة المنزل المشيد بالطوب المضغوط وهو عبارة عن غرفتين ومطبخ ومنافع. وقال لي أحد النازحين هي بداية لدمج المعسكر بالمدينة. أخيراً عندما دخل وفد الأممالمتحدة ساحة تجميع النازحين قوبل بالتكبير والتهليل.. حاجة غريبة!. معسكر السلام بالفاشر رغم أن وكيلة الأممالمتحدة فاليري أموس أبدت شعورها بالمأساة والمواساة للنازحين الذين قالوا لها إنهم أمضوا «7» سنوات ولا يريدون العودة إلا إذا توفرت الحماية وإن آخرين فقدوا الأمل في العودة لذلك أكدت «أموس» أن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي يدرس شتى السبل التي تمكنهم من تدريب النازحين وضرورة الانتقال لمرحلة الإنعاش وكسب العيش دون الاعتماد على المعونات. لقد قال لي أحد ساكني المعسكر ويدعى آدم محمد إنهم يعملون في المدينة لزيادة دخلهم ولا يرغبون في العودة مشيراً إلى وجود الخدمات بالمعسكر وذكر أنهم لا يتخوّفون من شيء وأن المعسكر آمن. نقلاص عن صحيفة الانتباهة 23/11/2010م