لنفترض جدلاً أن الدستور الانتقالي السوداني لسن2005ة أعطى الحق للقوى السياسية السودانية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد في التظاهر وتسيير المواكب والتجمعات بدون تقييد من نصوص القانون، ولنفترض جدلاً أيضاً أن التظاهرة التي كانت قد قررتها قوى ملتقى جوبا يوم الإثنين الماضي هي تظاهرة (سلمية) كما قالت وظلت تؤكد باستمرار. السؤال هو ما هو المعيار الذي على أساسه تتم عملية مقايسة الجانب السلمي للتظاهرة هذا؟ بمعنى أوضح ما هي المؤشرات والضمانات الواضحة التي يملكها منظمو التظاهرة والتي تؤكد أن التظاهرة منذ بدايتها وحتى نهايتها سوف تلتزم جانب السلمية؟ فالمناخ الذي كان يزمع منظمو التظاهرة اقامة التظاهرة فيه كان معبئاً ومشحوناً باحتقان سياسي واضح، وسرت أنباء عديدة عن مآلات ونتائج التظاهرة كان مصدرها القائمون على أمرها أنفسهم للدرجة التي سارع فيها المواطنون في كافة مناطق العاصمة باغلاق محالهم التجارية والبقاء داخل بيوتهم تحسباً لأي طارئ قد يطرأ، وكان هذا المؤشر وحده – سواء صّحت أسبابه أو لم تصح – كافية للغاية لإعطاء انطباع حقيقي أن التظاهرة لم تكن بريئة، ويمكننا أن نضيف الى ذلك دليلاً آخراً، هب ان في ذات الوقت، ولأسباب خاصة بها قررت قوى سياسية أخرى، ذات توجه مختلف إقامة تظاهرة سلمية مماثلة على غرار تظاهرة قوى مؤتمر جوبا، أو مناوئة لها، ماذا سيكون عليه الحال اذا تحرشت القوتين ببعضها، او اندس مندسون – وما أكثرهم – بين هذه القوة أو تلك، أو طار حجر، ووقع على رأس آخر من الجانب الآخر؟ ألن تكون الساحة بهذه الكيفية بمثابة ساحة معركة تسيل فيها الدماء أنهاراً؟ ومن كان يتعين عليه – من أجل الديمقراطية المزعومة – أن يدفع ثمن هذه الحرية المطلقة التي تستند فقط على حق منصوص عليه في الدستور ولا يقيده القانون؟ ان من المؤكد أن أرواح المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم وأمنهم وسلامهم سيكون هو الضحية بحجة ممارسة الديمقراطية – ولهذا فإن كل من يدعي وهو يخادع الآخرين ويخدع نفسه أن حق التظاهر حق مطلق لا يقيده القانون ولا شأن له بالإذن والتصريح من السلطات المختصة هو في الواقع يدعو لفوضى عارمة لا تعرفها الدول التي تنتهج النهج الديمقراطي ويتجاهل في ذات الوقت طبيعة إرث وتقاليد السودانيين، كما أنه يتجاهل أيضاً حريات الآخرين في الحركة والعمل. لقد جاء تقييد هذه الحقوق بنصوص قانون الاجراءات الجنائية سن199ة لتفادي مثل هذا الأنموذج ولتفادي وقوع صدامات اذا بدا مسلسلها فهي لن تنتهي وسوف تقود حتماً الى انهيار الدولة، ولا نعتقد أن الذين إبتكروا منهج الديمقراطية كان واحداً من مقاصدهم هو اشاعة الفوضى والقضاء على القوانين والقواعد.