في ثنايا وأروقة المؤتمر الوطني يدور نقاش كثيف هذه الأيام حول باقة من الأفكار تتعلق بمطلوب المرحلة المقبلة عقب استفتاء جنوب السودان الذي سيُفضي لانفصال كامل عن الشمال ونشوء دولة جديدة في الجنوب، وتشير كل مؤشرات الدوائر في الغرف المغلقة للحزب الحاكم أن هنالك تحولات جوهرية كاملة ستشهدها البلاد في شتى المجالات وتغييرات في الأوضاع الدستورية وإعادة هيكلة الدولة وإقرار توجهات جديدة في مسار الحكم وعلاقاته ومستوياته بما يُرضي طموحات المواطنين المتطلعين لواقع أفضل وحظوظ أوفر في التنمية والخدمات والاحتياجات الضرورية وتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة والاستظلال بظل الأمن والاستقرار والسلام. ويُتوقع أن تشهد الفترة عقب الاستفتاء طرح هذه الأفكار والتوجُّهات بشكل علني ومفتوح، وإتباعها بخطوات عملية وقرارات سيكون لها أثر بالغ لجهة أنها تؤسِّس لهيكل دولة وسياسات مختلفة يتحقق بموجبها الكثير من أهداف التخطيط الإستراتيجي والخطط التي ظلت حبيسة جدران الأزمات المتلاحقة والفرص الضائعة والتوتُّرات التي أقعدت البلاد وأعاقت تقدُّمها. ومن الطبيعي أن تشهد الفترة المقبلة أو في غضون أسابيع تغييرات هائلة في الجهاز التنفيذي وإعادة رسمه من جديد وتركيبه ومراجعته مراجعة شاملة بما يحقِّق خفض الإنفاق الحكومي وتقليل الصرف على البناء الدستوري، وحسب المعلومات المتوافرة، فإن لجانًا متخصصة وبيوت خبرة ومراكز دراسات وبحوث في الداخل عكفت منذ فترة على إعداد تصورات في هذا الصدد بتكليف من قيادة الحزب الحاكم وقيادة الدولة، وتركزت تصويبات هذه الجهات التي اضطلعت بالنظر والتمحيص والفحص والمراجعة في تصوراتها، على ضرورة إعادة النظر في الجهاز التنفيذي، وأهمية تقليصه ليتوافق ويترافق مع المرحلة المقبلة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن دواعي عديدة تقتضي تقليص الجهاز التنفيذي لمقابلة اعتبارات المرونة وسرعة اتخاذ القرار ومنع الترهُّل في هيكله وتقليل الصرف فيه وخفض إنفاقه، فضلاً عن كون المرحلة المقبلة تستوجب تجويد الأداء التنفيذي ومراقبته وحسن فاعليته وقدرته على تحقيق أهداف السياسات التي يُراد تنفيذها. وتقول المعلومات إن عدد الوزارات سيتم خفضه إما ل «24» وزارة أو «18» وزارة اتحادية، وستُدمج وزارات في أخريات، ويتم تقليل عدد وزراء الدولة لأدنى حدٍ ممكن، وتصفية عدد كبير من الهيئات العامة والشركات الحكومية والمؤسسات التي كانت تعتمد على صرف الدولة عليها، وتشجيع القطاع الخاص ليقوم بالعمل في مجال الخدمات وزيادة الإنتاج، وتعكف الدولة على تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى المتعلقة بالبنى التحتية والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والمياه وشبكات الطرق والطاقة والسدود والخزانات ومعالجة اختلالات الاقتصاد وعلله. ما يجري نقاشُه هذه الأيام يشمل كل القطاعات بلا استثناء، وهو جهد لابد منه لدولة تريد أن تعالج مترتِّبات وآثار ما يخلفه انفصال الجنوب من معضلات، ويسود التفاؤل الكبير كل الجهات التي تعمل على إعادة صياغة دولة بأكملها، في أن الشمال في حال توفُّر صيغة لانفصال سلس وهادئ ومعالجة مشكلة دارفور، سينطلق انطلاقة كبيرة نحو الأمام محققاً طفرة اقتصادية كبيرة وتجانسًا خلاقًا بين مكوِّناته التي ستجد الممر سالكاً لتماسك وطني قوي، وقد يتم الاهتداء للشعارات الحقيقية التي تستنهض الهمم وتعبُر بالسودان في صورته الجديدة نحو ضفاف أخرى خاصة أن مقدِّمات التحوُّل الذي يقصده الجميع تم التعبير عنها في أحاديث الرئيس وكبار المسؤولين في الدولة خلال الأيام الماضية ومن بينها توجُّه البلاد وانتماؤها واختياراتها السياسية وهُويتها العربية الإسلامية. ما تبقى من أيام على الاستفتاء سيعجِّل بتسخين باحة وساحة الحوار العميق حول المرحلة المقبلة في الشمال وكيفية توحيد صفِّها وتجاوز مراراتها تمهيداً لمرحلة بناء جديد لسودان سعيد ..! نقلاً عن صحيفة الانتباهة السودانية 4-1-2011م