نجم الجنوب يوشك على الانطفاء والاستعداد لولادة جديدة، باسم جديد ودولة جديدة. وإذا كان الانفصال بالأمس بقلم: مريم سالم ربما سنرى قريبا خارطة جديدة للسودان العظيم، الذي كلما وقعت العيون على مساحته في الخارطة، غبطنا أنفسنا بأن لدينا سلة الخبز العربية التي نفخر بحقولها المترامية، وبتنوع تضاريسها، ومناخها، وبطيبة قلوب شعبها. ولكن يبدو أن دوام الحال من المحال، خاصة وأن مستحيلا، فإن القريب العاجل سيحمل لنا ترجمة فعلية لمشاعر الجنوبيين الذين طالما حلموا بسودان واحد يضمهم مع بني جلدتهم، تحت مظلة حكم مدني ديمقراطي دون تمايز بين مواطنيه على أساس الدين أو العرق أو الجغرافيا، ولكن هذا أصبح من الماضي، حين كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان تعمل على منح الوحدة فرصة، والنظر لمشكلة الجنوب كجزء من مشاكل السودان وليست كمشكلة مستقلة. أما اليوم فإن الجنوبيين أصبحوا أكثر اقتناعا بضرورة الانفصال، بعد استنزاف جميع الفرص التي كانت متاحة أمام الحزب الحاكم في السودان، لكن حلم الإبقاء على وحدة السودان أجهض من خلال زعزعة قناعات الجنوبيين أنفسهم، عبر الدخول في تعهدات مزدوجة بين ممثلي الحركة الشعبية التي طالما تحدثت باسم الجنوب، وبين الانفصاليين الذين استطاعوا أن ينجحوا في مساعيهم بفصل الجنوب عن السودان واقعيا، بعد أن وجدوا أنه الحل السلمي الأمثل للجنوب الذي طالما طاله التهميش وعدم العدالة في توزيع الثروات والسلطة. ومنذ أن وقع زعماء الجنوب اتفاقية السلام في 2005، والجنوبيون ينتظرون التاسع من يناير بفارغ الصبر. ورغم تزامن الاستفتاء مع الدعوة الانتخابات في السودان، إلا أنه وكما صرح سيلفا كير زعيم الجنوب السوداني ونائب الرئيس، أمام الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، فإن الاستفتاء يحظى بأهمية أكبر من الانتخابات المنتظرة في ابريل المقبل، و«شعب الجنوب السوداني يعلق أهمية أكبر على الاستفتاء منه على الانتخابات، فحق تحديد المصير بالنسبة لهم من أكبر إنجازاتهم السياسية في اتفاقية السلام الشامل وسيدافعون عنه بأي ثمن». ومن المفارقة أن يحتفل السودانيون بعيد استقلالهم ال55 وهم يشعرون بحسرة، لأن هناك جزءا من هذا الوطن سيودعهم للأبد، لذا يحمّل أقطاب المعارضة في السودان الرئيس السوداني وحزبه الحاكم، هذه النتيجة المحزنة لمستقبل وحدة السودان، فالمعارضة التي بدأت توحد صفوفها تنظر إلى الاستفتاء كالقشة التي ستقصم ظهر الحكومة وشرعيتها.. بل ذهبت قوى المعارضة في هذا الإطار لحد الدعوة لقيام حكومة انتقالية قومية، تعمل على عقد مؤتمر دستوري لتحديد شكل دولة شمال السودان وكيفية حكمها. في الوقت ذاته نرى أن حكومة الرئيس عمر البشير قد استشعرت فداحة النتائج المتوقعة من استفتاء الجنوب، وكان الرئيس السوداني قد أكد في وقت سابق في خطاب جماهيري تمسكه بوحدة بلاده، لكنه أكد تقبله لخيار الانفصال إذا ما اختار الجنوبيون ذلك في الاستفتاء، كما لوح بورقة النفط مقابل استمرارية الوحدة، إلا أن هذه الإغراءات من وجهة نظر الجنوبيين، تبدو كالثمن البخس الذي يمكن أن يمنح للمزيد من العبودية، كما عبر أحد الكتّاب الجنوبيين قائلا إن «الوحدة التي نحن في ظلها حتى اليوم.. تشبه الوحدة بين الحصان والرجل الذي يمتطى ظهره طوال حياته، وهي وحدة لا فائدة منها، فالإعداد لخلق سودان موحد أو جديد يتطلب، بل يستدعي الأخذ في الاعتبار كل المكونات الثقافية للسودان، شرطا أساسيا للوصول إلى وفاق وطني نحو هوية تستوعب وتتفاعل مع الخصائص الثقافية والاجتماعية لتجنيب الوطن الانفصال ومآلاته، وإلا فالانفصال آت لا محالة». إن محاولات الرئيس السوداني لاحتضان جميع قوى المعارضة وتوسيع قاعدة المشاركة في الانتخابات، تبدو حتى اللحظة كأنها محاولة لإنقاذ حركة الإنقاذ نفسها، فبالأمس القريب وجه دعوته إلى «حكومة ذات قاعدة عريضة توسع دائرة المشاركة، وتمكن من توحيد الجبهة الداخلية»، ووصف نداءه بأنه «نداء صادع وجهير لكل القوى السياسية الوطنية ولجميع قيادات الأحزاب، بأن تلتقي قلوبنا وعقولنا على كلمة سواء نعلي بها من شأن الوطن، ونرسخ بها أركانه ونوطد دعائم سيادته واستقلاله». ورغم الشفافية التي غلّفت نداء البشير، إلا أن تحالف أحزاب المعارضة السودانية مصمم على إسقاط الحكومة الحالية ما لم تستجب لعدد من المطالب، وهو ما عدته الحكومة خطوة تصب في إطار المصالح الحزبية، وليس المصلحة الوطنية. وتبدو المعارضة الآن أكثر إيمانا بضرورة تحريك الشارع السوداني، وهذا ما ذهب إليه زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، الذي دعا مؤخرا إلى ما وصفها ب «تعبئة عامة» لحل مشكلات السودان، مجددا حديثه عن مهلة حتى 26 يناير الحالي لتشكيل حكومة قومية، «وإلا أنضم للإطاحة بالحكم وأعتزل العمل السياسي». إذن، مستقبل وحدة السودان على المحك في خضم صراع المعارضة مع السلطة، وغياب رؤية موحدة لمستقبل ما بعد الانفصال، فهل يدرك السودانيون أي سيناريو يقبلون عليه؟