"الجنوبيون سيواجهون خيبة أمل عندما تتبدد نشوة الانفصال".. بهذه المقولة المدروسة بعناية من رجل كان رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية من منتصف السبعينات و الى مشارف الثمانينات ، ولديه – منذ ذلك الوقت – مركز خاص للبحوث و الدراسات المختلفة ، لخَّص الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أزمة مستقبل الجنوب القريبة البعيدة! فقد وصف ما سيحدث قريباً – عقب تبدد نشوة الدولة الوليد و رفع العلم و الدندنة مع كلمات نشيد العلم المختار بعناية ، والرقص و الطرب – بأنه سيكون بمثابة خيبة أمل . و بالطبع لم يسترسل كارتر فى تعداد مصادر خيبة الأمل هذه و ربما تركها لفطنة المراقبين و المتابعين بدقة لأوضاع الجنوب السوداني ، ولكن كارتر أشار الى جزء من علاج هذه الخيبة حين نصح الجنوبيين بتبني الديمقراطية من الوهلة الاولي! و كمن كان أيضاً سيعرب عن خيبة أمله هو ايضاً ، فإن كارتر ما تحدث عن الديمقراطية ، إلا ليعطي لمحة من الأزمة لأنه يدرك بحكم صلات و متابعات لصيقة أن النخبة الموجودة الآن فى الجنوب و على وجه الخصوص الحركة الشعبية هى آخر من (يؤمن) بالديمقراطية ، دعك من أن تلتزم بها كمنهاج سياسي حقيقي و جاد. غير أن هذا ليس هو مبتغانا ، ولكن نستشف من عبارة كارتر هذه عن خيبة الأمل ، الإدراك – بعد فوات الأوان – أن قرار الانفصال فى الواقع ما هو إلاّ مجرد (هيجان انفعالي عاطفي) ،و على الأرجح فان كارتر ربما عني جزء كبير من هذا المعني ، فالذي تدفعه مشاعره – بلا واقعية و لا حسابات واضحة – للحصول على شئ ما ، فمن المؤكد أنه سرعان ما يضيق بما حصل عليه ؛ و حال إدراكه أن ما سعي للحصول عليه كان فى حد ذاته سهلاً و لكن الصعب هو المحافظة علي الشئ ، وتطويره. لقد عبأت الحركة الشعبية و لا تزال تعبئ مواطني الجنوب – صراحة – نحو الانفصال ، وهى لا تملك لهم فى اليوم التالي للانفصال أفكاراً قابلة للترجمة على ارض الواقع ، و لعل أبلغ دليل على الإصرار غير المبرر لدي قادة الحركة على الانفصال ما قاله الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب من أن الأمريكيين لم يكونوا مطلقاً يؤيدون الانفصال و لكنهم لم يجدوا مفراً فى ظل إصرار الحركة على الانفصال. ومن المفروغ منه – لمن يعلمون بخبايا صنع القرار فى واشنطن – ان الرئيس الأسبق كارتر تربطه صلة ما ، خاصة و أنه ينتمي الى ذات الحزب الديمقراطي الموجود فى السلطة حالياً ، ومن ثم فهو فى كثير من الاحيان يعبر بقدر ما عن الرأي الحكومي و اتجاهات الرأي الرسمي فى واشنطن ، وهو ما يُستشف من تعبيره عن ما سيحدث قريباً من خيبة أمل تنتاب أهل الجنوب، أو لعل الرجل أوصل الرسالة الامريكية المخيبة فعلاً لآمال الحركة و هى أن واشنطن لن تقدم للدولة الوليدة شيئاً ، فهي تخشي من فشل الدولة الوليدة و فى الأصل لم تكن على قناعة بها، أو ربما أراد كارتر أن يحول بين الحركة وأفراحها منذ هذه اللحظة ، على اعتبار أن السياسة هى شئ آخر تماماً ومختلف عن جدليات الحزن و الفرح و الابتهاج !