شاءت الأقدار بأن اكون ضمن الحضور المميز لندوتين تحت نفس العنوان أعلاه.. إحداهما في القاهرة بمركز الدراسات الاستراتيجية بالإهرام والأخرى بالخرطوم.. في حزب منبر السلام العادل.. تحدث المتحدثون هنا وهنالك وهم أهل معرفة ودراية بالقضية وبمآلاتها من المخاطر والمهددات الأمنية.. وكان المناقشون على نفس الدرجة من المعرفة والدراية.. والشئ الملاحظ من الندوتين بأن هنالك شبه إجماع من الطرفين.. بأن الجنوب على وشك الانفصال عن الشمال.. أو على الأقل في طريقه إلى الانفصال.. بعضهم أظهر تحامله على القيادات الجنوبية بشكل سافر واختذل القضية في مسلك كل من باقان أموم وياسر عرمان وانهما عرضا الوحدة للابتزاز السياسي.. وكأن الجنوب وقضاياه مملكة خاصة تابعة لباقان وياسر عرمان، والبعض الآخر برمج مواقفه «وهم كثر» على ضرورة فصل الجنوب عن الشمال واعتقد البعض منهم بأن موضوع الفصل هذا قد تأخر كثيراً، ويرى في الانفصال مصلحة للطرفين.. الشمال والجنوب.. وغضوا الطرف تماماً عن المآلات والمهددات الخطرة التي من المؤكد سينجم عنها الانفصال.. وسكتوا عن التعرض ولو بالأشارة إلى وقائع تاريخية جوهرية في مسار الحراك السياسي منذ الاستقلال كان لها أثرها المباشر على تعكير صفو العلاقات بين الشمال والجنوب طيلة هذه المسيرة. التي إمتدت منذ الاستقلال إلى يومنا هذا.. وحقيقة إن مواطن الخلل كثيرة.. منها ما هو ثابت وما هو موروث ولم يحاول أحد من الحكام أو الحكماء العمل على تغييره وترك على حاله، ومنها ما هو وافد ومدروس.. ولم يحاول أحد من الحكام والحكماء ان يتصدى له.. وأخذ يتمدد ويمرح في أرجاء السودان.. ونتقدم بالشرح لما هو ثابت وموروث ونقول إن السودان يعد من الدول التي تتميز بعدم اكتمال مراحل نموها القومي.. وضعف قدراتها التكاملية بالرغم من حصوله على الاستقلال مبكراً.. ولم تنجح اي من الحكومات بعد الاستقلال في تحقيق درجة يعتد بها في عمليات الانصهار القومي او التحول الحقيقي إلى الحياة الديمقراطية أو اقامة نظام حكم يعتد به في تحقيق العدالة الاجتماعية.. الأمر الذي أضعف الانتماء والولاء للوطن وأدى إلى تعاظم الأحساس بالحرمان بالاضافة إلى أن تفكير الحكام لم يهتد إلى محاولة طرح مشروع قومي يعتد به في تسهيل عمليات وانسياب الانصهار القومي. ولم يفكر أحد من الرعيل الأول في مسألة العقيدة الوطنية وأثرها في عمليات الانصهار القومي لهذا الشعب متعدد الاعراق والخصائص والثقافات والاديان.. ونحسب.. إذا اعتمدت المواطنة كعقيدة وطنية ورائدة للحقوق والواجبات وإعتبار ابناء الوطن أمام القانون سواسية لكانت ممارسة المواطنة الحقة كعقيدة كافية لقفل الطريق أمام من يدعون التهميش اليوم.. ويصنفون المواطنين إلى درجات تبدأ بالأولى ولا يعرف أحد -إلى- أي الدرجات ينتهي بنا المطاف.. والانفس مثقلة بالحرمان والغبن والخرائط مثقلة بالاختراق والتدخلات الخارجية.. مع إدراكنا التام بأن الحالة التي نحن بصدد معالجتها قد خلقت وستخلق فرصاً عديدة أمام القوى الخارجية والمتربصة بنا بإختراق جدار أمننا القومي ومن ثم تهديده، ومن الصعوبة بمكان في مثل هذه الحالات الوقوف على حجم وطبيعة المهددات الداخلية ذات الأبعاد الخارجية ولعلنا نجد فيما قامت به فرنسا في مطلع الاسبوع الفائت خير دليل على ما نحن بصدده حيث قامت فرنسا باطلاق قمر صناعي لكي يتجسس على مناطق دارفور.. كأول رد فعل خطير لما أقدم عليه السودان بطرد المنظمات الخيرية العاملة في دارفور، ونحن نعلم بأن هذه المنظمات هى إحدى آليات عمليات التجسس الأرضي.. فكيف سنتعامل نحن مع آليات التجسس الجوي؟.. بالاضافة إلى- أن خرائط السودان الاجتماعية ما زالت تعج بوجود اقليات بعضها دينية وأخرى عرقية ،وان الاقليات هي المجالات الحيوية لعبث اسرائيل في بلدان كثيرة ومن أهم سياساتها واستراتيجياتها في المنطقة العربية وعلى قمة هذه الاستراتيجيات الاسرائيلية يتربع السودان جنوبه وغربه وهي لن تكتفي بالعبث في الارادات وانما تذهب إلى تشجيع هذه الاقليات على الانفصال عن الوطن الأم.. وهل يعلم الذين يدعون إلى الانفصال بأنهم يقفون في خندق واحد مع اسرائىل.. وينفذون استراتيجياتها في السودان بوعي وبدون وعي؟! أليس من العيب والعار على أبناء هذا الجيل من الجانبين الشمالي والجنوبي بأن يقدما على خطوة الانفصال التي تعد كارثية بكل المعايير الأمنية- على السودان وعلى الجنوب وعلى الجيران، هذه الخطوة تعفف الاستعمار البريطاني عن الإقدام عليها وكان بامكانه القيام بها بالرغم من حرمان السودانيين الشماليين والجنوبيين من التواصل عبر سياسات المناطق المقفولة الخرقاء. ونخلص إلى القول بأن الذين أخذوا يملأون الساحة جعجعة ويطالبون بالانفصال سواء من هذا الجانب او الجانب الآخر المعني بالانفصال .. أكيد أنهم لا يدركون حجم وطبيعة المخاطر التي ستحدث من جراء هذا الانفصال ومؤكد بأنهم على ادراك بالمخاطر ولكنهم يستخفون بالعواقب التي من المؤكد ستكون وخيمة - حيث- من المؤكد بأن هنالك مناطق مثل جنوب النيل الازرق وابيي وربما دارفور ستطالب بالانفصال ولم لا- وهي- تعاني من كل الاعراض والامراض- التي يعاني منها الجنوب ونحن نتمنى ان لا يحدث هذا.. ونسعى مع الآخرين الذين لديهم غيرة على أمن واستقرار ووحدة الوطن بأن نحول دون انفصال أي جزء من السودان.. حتى لو ادى الأمر إلى الرجوع إلى المربع الأول.. وبارادتنا قبل ان يفرض علينا من قبل الآخرين.. بمن فيهم عناصر غير مسئولة- من الإخوة الجنوبيين أنفسهم وبتحريض من هؤلاء الآخرين الذين نرى في مآربهم ومخططاتهم الاجرامية ما لا يراه الآخرون. بالرغم من المخاطر والمهددات غير المرئية والمتوقعة التي ربما تصاحب الانفصال.. نحن نعترف بأن الذي نعيشه ونعايشه اليوم نوعاً من أنواع الاحتقان السياسي الخشن بالنسبة لكل الاطراف في الساحة السياسية وان هذه الحالة المأزومة سياسياً هي محصلة أخطاء وخلل ما في ادارة شئون الحكم والدولة.. في الماضي، وجل هذا الخلل ظهر في الحاضر وكلاهما الماضي والحاضر ساهما بصورة أو بأخرى في افساح المجال واسعاً ومتسعاً امام الاختراقات والتدخلات الخارجية. في شأن البلاد الداخلي، ونحن نعلم بأن للضرورة أحكاماً وإحترام فقه الضرورة لا خلاف عليه.. ولكن خلق الضرر واستنهاض الضرورة بالأخطاء مختلف عليه واستدعاء الاجنبي لكي يتدخل في شئوننا الداخلية ويفرض علينا السيناتور دانفورث نيفاشا وزوليك أبوجا والأمم المتحدة القوات الدولية والقوات الافريقية المختلطة.. ونحن لا ولاية لنا عليهم.. أمر يختلف فيه العقلاء بكل معايير السيادة الوطنية .. وأن حالة الضعف والعجز التي ظهرت في إدارة ازمة الجنوب وازمة دارفور.. أفرزت قضايا ضارة بحجم المحكمة الجنائية وكارثية بحجم اللاجئين في داخل السودان وخارج السودان.. ووضعت السودان موقعاً وموارد استراتيجية في دائرة الضوء بالنسبة للاطماع وصراع المصالح الاقليمية والدولية.. وفي دوائر الاستهداف الاستخباري الخارجي لاطراف يصعب حصرها وأطراف إتضح أمرها.. وفي مقدمة الأطراف التي وضح أمرها الولاياتالمتحدةالامريكية والتي من الواضح بأنها وضعت السودان في دائرة اهتماماتها الاستراتيجية، ونعتقد بأن السودان أضحى يشكل احتياطياً استراتيجياً للموارد ذات الطبيعة الاستراتيجية ومهمة بالنسبة لامريكا في مستقبل الايام- ونرى ان السودان وفق المفهوم الحديث لتعريف الأمن القومي المرتبط بالمصالح أضحى دائرة من دوائر الأمن القومي الامريكي وهذا المفهوم يفسر لنا اهتمام امريكا بالسودان والتدخل من أجل المساعدة. في معالجة كثير من المصاعب التي يمر بها السودان، ولكن في نفس الوقت لا تريد ان تفقد أدوات السيطرة على زمام الأمور في السودان.. وهى محتفظة بكل خيوط اللعبة السياسية في السودان وهي غير متعجلة الخطى وتحركها لخدمة مصالحها الآنية والمستقبلية سواء في الجنوب أو الغرب.. أو الشرق حتى يأتي أجلها.. انطلاقاً من هذا الفهم المتقدم للدوافع الحقيقية لامريكا من أجل التدخل في السودان بهذه الصورة السافرة.. نقول.. بعد غياب العقيد جون قرنق المفاجئ لاسباب تفهم من سياق تطور الاحداث السياسية في السودان وفي الجنوب بالذات.. بأن امريكا هي الضامن الاساسي لوحدة السودان وان هنالك دولة جارة تقف إلى جانب امريكا مع وحدة السودان لان مصالحها الاستراتيجية في السودان وفي المنطقة المحيطة بالسودان لن تحقق إلا في ظل وحدة السودان وضمان أمنه واستقراره .. بمعنى ان قرار وحدة وانفصال الجنوب بكل المقاييس السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والأمنية .. ليس قراراً سودانياً خالصاً وانما قرار دولي.. واقليمي.. ووطني.. وعلى الذين أضحت للكلمة -انفصال- الجنوب على اطراف ألسنتهم- سواء من قيادات الجنوب أو بعض ابناء الشمال عليهم ان يتحسسوا مواطن اقدامهم.. التي تلامس الرمال المتحركة.. لان السودان في مراحل متقدمة من الزمن بما لديه من موارد استراتيجية ومواقع متميزة وشعب متفرد الخصائص اعتبر من ضمن أهم المصالح الاستراتيجية لدول كبرى.. وان القرارات المصيرية بالنسبة للاوطان والشعوب لا تحتاج إلى توفر قيادات مرحلية وإنما إلى زعامات تاريخية غير متوافر قدر منها في السودان اليوم. وفي النهاية نقول للنخب الحاكمة والمتحكمة في الشمال والجنوب ان الشمال ليس ملكاً لحزب ولا الجنوب ملكاً للحركة والذين يودون كتابة «لاغي» على الشعب السوداني عليهم ان يدركوا بأن الانتخابات على الابواب ان كانت هنالك انتخابات وان الاستفتاء قاب قوسين أو أدنى بحساب الزمن إن كان هنالك استفتاء، واننا نتشكك في قيام الانتخابات وفي الاستفتاء لاننا نرى فيهما ما لا يراه الآخرون من مخاطر.. قد يجر البلاد إلى الفوضى البناءة.. ولهذا نرى من الاوفق.. التراضي الوطني بين كل الأطراف حول صيغة جديدة قومية للحكم وتتخذ من الديمقراطية منهجاً للحكم.. ومن اجل تحقيق العدالة الاجتماعية وحل مسألة دارفور.. ومسألة الجنوب عبر اتفاقية نيفاشا بكل ما فيها من عيوب ومحاولة معالجة قضايا الفقر والبطالة والفساد.. وافساح المجالات للشباب في شتى الميادين وكذلك المرأة لكي يجدوا أنفسهم في بلادهم.. بدل البحث عن تحقيق طموحاتهم خارج بلادهم وان تبتعد الفعاليات السياسية عن المواجهات السياسية لدرجة الاحتقان وعدم افساح المجال امام الاجنبي لكي يتدخل في شئوننا الداخلية.. ويعمل الجميع من أجل تحقيق الرفاهية لشعبنا والأمن والاستقرار لوطننا الغالي ونحن نعلم بأنه مستهدف من قبل قوى خارجية وعلى رأسها اسرائيل.. ولهذا كانت الوحدة الوطنية ضرورة وهي صمام الأمان. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 14/12/2009م