الحماقة التي لا تغتفر هي أن يصدّق العربي الولاياتالمتحدة . كل مخططاتها باطلة، خطط ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب . والكارثة هي أن نظن أن واشنطن تريد حقاً أن يتحرر العالم العربي ويتقدم ديمقراطياً . نعرف جيداً ماذا تعني الديمقراطية الأمريكية، هي أن نصبح مثلها في خدمة “إسرائيل" من دون قيد أو شرط، بتحويل البلدان العربية والإسلامية إلى مِزَق وأشلاء كالعراق وأفغانستان والصومال . حدّث العاقل بما لا يليق . جرس الإنذار الأخطر سمعناه في كلمة أوباما الأخيرة، حين استخدم عبارة “في كل مكان من العالم"، ما يعني أن الكرة الأرضية كلها إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، وعلى طريقة الحجاج الثقفي: “وإني لصاحبها" . فوضى خلاقة عارمة . بقي أن “في كل مكان" تعني: في كل مكان من العالمين العربي والإسلامي . وإلا فهل يمكن أن نصدّق أنه يريد إقامة الديمقراطية في سويسرا وموناكو، أو البرازيل والأرجنتين، أو كمبوديا وفيتنام؟ لعبة الدومينو لا تروق رعاة البقر إلا في دنيا العرب . لا عاقل ينفي ظاهرة الكبت في عدد غير يسير من البلدان العربية، ولكن الخطر الأخطر هو أن نتوهم أن الولاياتالمتحدة تؤدي “الطرب الأصيل" عندما تشدو لنا: قيثارتي ملئت بأنّات الجوى لا بدّ للمكبوت من فيضانِ لكنّ التحوّلات التي يشهدها العالم العربي، يجب أن تكون دافعاً حاسماً إلى تدارك ما أُهمل علاجه، حتى لا تتحوّل النصائح إلى أوامر من الإمبراطورية، التي يعجز حتى أبعد المحللين نظراً عن معرفة ما يجري في كواليسها الاستراتيجية . لست متشائماً إلى حدّ تصوير الأمّة يتيماً مستغلاً من الداخل والخارج، رغم أن هذه هي الحقيقة في بلدان شتى . في الداخل مهان، ومن الخارج يريدون استعباده بدعوى تحريره . ما يُحزن هو أن العالم العربي لم يشهد في تاريخه حقبة أسوأ من هذه، من حيث الافتقار إلى الأفكار الرائدة، فقد أصبح معظم النخب في مؤخرة الموكب المتجمّد . وهذا لا يعني، لا والله، أنني أسخر من الأمّة التي أصبح في إمكان بائع خضار أن يغيّر مجرى تاريخها، بينما أهل الفكر والأدب يفركون أعينهم غير مصدّقين أن القطار فاتهم . المصدر: الخليج 31/1/2011