قبل أكثر من عام مضى بينما الجميع يكرر دعوة الوحدة خيار إستراتيجي، دون أن يعي ما هي الإستراتيجية ولا أرضية تنفيذها أطلقنا صيحة داوية من هذه الزاوية أن الوحدة خيار صعب، ولأننا شعب نحب الرومانسية والتمسك بالقشور بدا كأن الانفصال اكتشفناه فجأة وللآن محتار كيف، اختار بعض الطلاب الشماليين التقديم لجامعات جنوبية معلوم أن الانفصال هو خيار راجح غير معلن وطبعاً سينبري لي أحد الأخوة مسفهاً مثل هذه الدعوة وكأني أتيت بالمنكرات، ولقد حاول كثيرون في أيام الانتخابات الماضية أن يستقرأوا أفكاري حول قضية الاستفتاء، وكنت أقول لهم بثقة مفرطة أن الانفصال قادم لا محالة وذلك أمرٌ كنت أقرأه بعناية إذ أن روح الحركة الشعبية كانت واضحة وكذلك بقية شعب الجنوب. ولكن لأن الحزب اعتمد ذلك وفي مثل هذه القضايا لم يكن من بد سوى نشر بعض المقالات خصوصاً في شهر يوليو الماضي حيث تصاعدت حدة التراشقات وحتى بعد أن فاق القوم من حمى الانتخابات . ومن المهم التأكيد على ذلك خصوصاً في ظل دعوات للتماهي بين ما هو وطني خالص وبين غبش ودخن الآراء المعزولة هنا وهناك. الذي دفعني لتسطير هذه المقدمة المطولة هي تلك الوعود القريبة التي أصدرها وزير الدولة الجنوبية الجديدة بيتر أدوك الذي يعمل وزيراً للتعليم العالي في السودان الذي كان موحداً حتى لحظة إعلان نتائج الاستفتاء ونسبة مئوية شبه إجماعية على الانفصال أشرت إلى انفصال تام الأركان منعقد لدولة الجنوب ولكن لماذا يصر الدكتور الذي كان في يوم من الأيام عضواً قيادياً كبيراً بالحزب الشيوعي السوداني على إرسال خطب بهذه اللهجة المتشجنة الذي دعاه إلى اعتباره أن القضية بهذه البساطة والسذاجة في تناوله وعرضه، لأنه بمجرد إعلام دولة الجنوب تسقط عنه أي صفة لاتخاذ قرارات مصيرية وتصبح كل المسائل بحوزة الحكومة الاتحادية إذا كان الأمر متعلقاً فيما يختص بالشمال والجنوب فإن لكل جهة الحق فيما تريد. وأكبر استفزاز لهذا الرجل الذي أراد كعادة بقية الشيوعيين في الحركة من الشماليين والجنوبيين أن يعكروا ويسمموا الأجواء أراد أن يلقي نيران بأن الخطوات التي أوقف بها نقل ممتلكات جامعة جوبا إلى الجنوب بعد إعلام الانفصال تبقى أمراً وطنياً يتعلق بدولة الشمال التي عليها أن تدافع عن أبناء الشمال ومصالحهم بعد أن عاد الجنوب دولة ويكفي ما ألحقوه بنا من أضرار خلال خمسين عاماً قتلوا وخرجوا ضد القانون والحمد لله الآن شفي السودان تماماً من هذه المشكلة ولكن تبقى القضية برؤيتي اختلف واتفق معه في أشياء بيانه الصحفي الذي أصدره وهو بين يدي هو فيه حرج شديد لجهة أن الرجل لم يستوعب أنه ينتمي للجنوب الذي انفصل، وإذا أراد أن يستغل وزارته لتنفيذ أوامر لمصلحة دولة الجنوب فمن حقنا الاعتراض وفي مناخ يتصاعد فيه التأييد والإكبار والتوقير لموقف المؤتمر الوطني جاء الوزير ليقول سفهاً من الفعل يؤكد خطل استمرار وزراء الجنوب في أعمالهم رغم علمهم بأنهم صاروا جزءاً من الدولة الجديدة وفقدوا المواطنة تلقائياً في السودان الشمالي في انتظار التنفيذ يوم 9/7/2011م. والأشد مرارة أن الرجل يحاول أن يصرف الأنظار عما حققه المؤتمر الوطني بانفصال الجنوب وهو يتهيأ لإنشاء جامعة جديدة ل60% من طلاب الجامعات الجنوبية الراحلة للدولة الجديدة في مقر جامعة جوبا السابق بالكدرو ومن العبط الاستخفاف بالعقول أن يقول وزير التعليم العالي بيتر أدوك إن هذه الخطوات التي اتخذها سياسيين من المؤتمر الوطني، وأليس المؤتمر الوطني هو الذي اختار شجرته أهل السودان ليكون ممثلاً لهم ومدافعاً عن حقوقهم ومكتسباتهم، وإذا فشل المؤتمر الوطني عن حل مشكلة طلاب الشمال في الجامعات الجنوبية هل يظن هذا الوزير من دولة الجنوب الشقيقة أن شعب السودان سيقول أن ذلك من صنع وزير الحركة الشعبية أن يعتبر الأمر عجزاً من المؤتمر الوطني. والحمد لله المؤتمر الوطني تقوده عقول متفتحة تعمل بأحكام وحتى اتحاد الطلاب السودانيين دعا لندوة عن تأثير الانفصال على الطلاب في بداية شهر يناير بجامعة السودان كنت حاضراً للخيارات التي قدمتها إدارة التخطيط بالوزارة. نحن نعلم أن عدد الطلاب الشماليين بالجامعات الجنوبية حوالي 12 ألف طالب يمثلون نسبة 60% من مجموع طلاب الجامعات هل بعد انفصال الجنوب أليس من حق هؤلاء أن تحدد لهم الدولة الشمالية كيف يكون مصيرهم. نعلم أن 70% من أعضاء هيئة التدريس والعاملين بالجامعات الجنوبية سيصيب الجامعات الجنوبية بالشلل التام، ويصبح أمر ذهابهم للجنوب في مناح كهذا أمراً لا يدعو للغرابة والاستعجاب بل ويدعو للريبة. فهؤلاء الدولة التي يأخذون فيها أوامر التنقل هي الشمال أم الجنوب فعليه أن يعيد ترتيب أوضاعه بما يريد وإن كان ذلك مع الشمال نفسه ولكن ليس وفقاً لأوامره الوزارية لأنها تصبح قرارات معلقة لأن سلطاته وغن تم تجاوز أمر سقوط استمرار بمجرد إعلان دولة الجنوب وانتماؤه لدولة جديدة يقاتل بكل ما يملك ليخدمها دون النظر في الظروف الموضوعية وتخوفاً من جيشها ومن التعبئة السالبة ضد الشمال التي ربما تضع هؤلاء لقمة سائغة وهدفاً سهلاً أمام حكومة الجنوب التي لم تصل بعد لمستوى حكومة دولة في ظل غياب المفاهيم العامة للمسئولية. وكأن نقل أصول الجامعات بالصورة التي تمت والتي من الواضح أنها تمت دون علم حتى المؤسسات التعليمية لأنه من الأفضل أن يدرس طلاب الجنوب في الشمال ولأن الجنوبيين لن يواجهوا بمصير الشماليين في الجنوب لأن هنا سلطات ودولة وقانون. ولعل الفرية التي أثارها الوزير بأن الجامعات انتقلت بسبب الحرب وبالتالي فإن أصولها التي تأسس بها من قطع أراضي ليست ملكية لجامعة جوبا في حال أن تحولت الجامعة إلى دولة أخرى وليست في السودان الموحد ما يعني تماماً أن إصرار الوزير أعرج فهي سيؤول مباشرة لوزارة التعليم العالي لأنها تلقائياً ستصبح مباني عامة والجهة التي تتبع لها الوزارة. الغالبية من طلاب الجامعات الجنوبية كما نعلم هم طلاب شماليون والحركة تعلم ذلك. فقد حق للاتحاد العام للطلاب السودانيين أن يباشر إجراءاته في حماية منسوبيه من طلاب الشمال بالجامعات الجنوبية ويسير في دعم خطة لإنشاء جامعة بديلة وأن لا يعير بيان الوزير بيتر أدوك أدنى التفاتة لأنه لا يملك هذا الحق ثم إن المؤتمر الوطني الذي يحمله هو مسئول بشرف عن هؤلاء الطلاب وليست الحرة الشعبية لأن شعب السودان الشمالي هو الذي فوض المؤتمر الوطني لأخذ حقوقه وتحقيق آماله وهي التي ستحاسبه إن أخفق وليس الوزير بيتر الذي سيكون حينها مواطناً أجنبياً يتطلب دخوله الخرطوم الحصول على إذن مسبق. نقلاً عن صحيفة الرائد 5/2/2011م