تحدث السيد رئيس الجمهورية مساء أول أمس بقاعة الصداقة، أمام قيادات وضباط وصف ضباط جنود قوات الشرطة، حديثاً صريحاً وواضحاً لم يسبق له أن تحدث في مخاطبة عامة خلال الفترة الأخيرة، متناولاً قضايا الساحة السياسية والقضايا الوطنية التي تهم جميع المواطنين والشرطة جزء من هذا الشعب، المتطلع لمعرفة ما يدور حوله وفي أوساطه وصُعده المختلفة. القضايا التي تناولها رئيس الجمهورية في حديثه المطول للشرطة، تركزت وتمحورت في قضية الجنوب والاستفتاء والانفصال الذي وقع، وقضية دارفور، ثم الوضع الإقتصادي وآثاره وحالة الاستقرار والأمن في البلاد ومستقبل بقية السودان بعد انفصال جنوبه. ما تميز به حديث الرئيس الذي أعقب كلمتين محكمتين للسيد وزير الداخلية المهندس إبراهيم محمود حامد الذي قدّم مرافعة جيدة عن قوات الشرطة والتطور الهائل الذي وصلت إليه ودورها كمؤسسة وطنية عمرها يزيد على مائة عام والدعم غير المحدود الذي وجدته من الرئيس البشير والعهد والواجب الذي على عاتقها لحفظ الأمن والاستقرار في كل ربوع السودان وكفاءتها العالية في كل مجالات العمل الشرطي، والكلمة الأخرى للفريق أول هاشم عثمان المدير العام للشرطة الذي قدم صورة صادقة لما تقوم به هذه المؤسسة من أجل حفظ الأمن وحماية المواطنين. حديث الرئيس أشار فيه بعد إشادته الكبيرة بالشرطة واطمئنانه إليها وإلى قدرتها على حفظ الأمن، إلى أن انفصال الجنوب لم يأت فجأة بل له جذور تاريخية عدّدها السيد الرئيس بقوله إن الجنوب كان منفصلاً من صدور قانون المناطق المقفولة في العهد الاستعماري في عشرينيات القرن الماضي والإجراءات التي فرضها المستعمِر آنئذٍ للإبقاء على الجنوب منفصلاً عن الشمال سياسياً واجتماعياً وثقافياً وإدارياً، والمحاولات التي جرت لإلحاق الجنوب بيوغندا أو كينيا أو جعله دولةً وكيانًا منفصلاً حتى جاء مؤتمر جوبا عام 1947 الذي كان فيه كل القادة الجنوبيين مع الانفصال، إلا ان السلطات الاستعمارية غيّرت رأيهم وضغطت عليهم للموافقة على التوحد مع الشمال على صيغة الفيدرالية مع الشمال، واستعرض البشير الأكاذيب التي تزعم أن الشمال ظلم الجنوب وكيفية قيام التمرد الأول في 1955م وتحميل الشمال ما حدث في الجنوب أو الأكذوبة التي تقول إن الشريعة الإسلامية هي سبب التمرد الأخير في 1983م. وقال الرئيس إن تقرير المصير كحل لقضية الجنوب وافقت عليه كل القوى السياسية السودانية التي لم تتفق في تاريخها على شيء مثله، وأكد أن الحكومة ستعترف بنتائجه باعتبارها خيارات المواطن الجنوبي. في قضية دارفور قدَّم شرحاً لإستراتيجية الحكومة في محاورها الأمنية والتنموية والخدمية وحل قضية النزوح واللجوء وإعادة إعمار دارفور والمفاوضات، وشدَّد على أهمية توقيع وثيقة ختامية يشارك فيها الجميع دون فتح تفاوض جديد مع أي حركة وضرورة إنفاذ مشروعات التنمية والخدمات دون إبطاء وتأخير، وقال إن وجود الحركات في الجنوب لن يخدم قضية وإذا استمرت حكومة الجنوب في دعمها فستتعقد الأمور، وقال «نرجو أن لا نضطر للتعامل بالمثل، ونحن لنا خبرة طويلة في دعم المعارضين لدول أخرى وجرّبنا ذلك في السابق». الأهم في حديث الرئيس للقيادات وقوات الشرطة، ما قاله عن الوضع الاقتصادي والزيادات الأخيرة في أسعار السلع بعد رفع الدعم عنها وبيَّن أسباب ذلك في حديث مفهوم وبسيط شرح فيه المعقَّد من لغة الاقتصاد، وكانت حججه مقنعة للغاية وتفسيراته لدواعي رفع الدعم وتشديد الإجراءات في تطبيقها ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي والاحتكار والتخزين كلها تصب في اتجاه مصلحة الفئات الفقيرة والبسطاء من الناس ولم يكن هدف هذه الإجراءات الاقتصادية الفئات المقتدرة القادرة على التكيف مع كل الظروف، وأشد ما أعجب الحضور في اللقاء الكبير الحديث عن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وترشيد الإنفاق الحكومي، وقد ضرب الرئيس مثلاً بهيئة الطيران المدني كنموذج للتجاوزات والفساد الإداري والمالي ووصفه بأنه لا يصدقه عقل. خلاصة القول إن هذه الصراحة مطلوبة وقد بادرت الشرطة بهذا اللقاء الخطير والمهم واستمعت لحديث صريح من الرئيس سيكون له ما بعده. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 7/2/2011م