التنوع والاختلاف هو سنة الله في طبائع الأشياء في الكون الأحياء منها وغير الأحياء، والتنوع والاختلاف في البشر ليس فقط في خواصهم الطبيعية من لون وشكل بل في قدراتهم العقلية وميولهم وعواطفهم، وبالتالي في آرائهم ومذاهبهم وطوائفهم وجماعاتهم واعتقاداتهم وأديانهم. قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر: 27-28). وقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) قال الحسن البصري: فمن رحم ربك غير مختلف. وقال: وللاختلاف خلقهم. والآية تشعر أن الاختلاف ليس برحمة بل الرحمة في الاتفاق. فهل كل الاختلاف عذاب؟ هذا يحتاج إلى تفصيل. قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) البقرة: 213. وهذه الآية تدل على أن الاختلاف سببه أن المرء لا يهتدى إلى الحق. والآية تشعر أن الحق واحد لا يتعدد ، يصيبه من يصيبه ويخطئه من يخطئه، وهذا رأي عامة علماء الإسلام ، إلا المعتزلة، وهو الشائع عند كثير من الغربيين بنسبية الحقيقة. والحق أو الحقيقة في الإسلام تعرف إما بدليل عقلى أو بنص من القرأن أو السنة. فإذا كانت الحقيقة تستند إلى دليل قطعى، سواء كان دليلا عقليا أو نصيا فما يخالف هذه الحقيقة يكون باطلا لا شك فيه. أما إذا كان الدليل العقلي أو النصى محتملا، فالآراء تتعدد لأنه لا سبيل لمعرفة الحقيقة وإن كانت الحقيقة لا تتعدد. فالاختلاف في الحقائق القطعية غير مشروع والاختلاف في الحقائقة الظنية مشروع. من هنا شاع عند كثير من الناس اثر (اختلاف أمتى رحمة) قال الملا علي القاري : " زعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له ، لكن ذكره الخطابي في ( غريب الحديث ) مستطردا ، وأشعر بأن له أصلا ... " . " قال الخطابي وقد روى عن النبي (ص) أنه قال : اختلاف أمتي رحمة فاستصوب عمر ما قاله ، قال وقد اعترض على حديث اختلاف أمتي رحمة رجلان أحدهما مغموض عليه في دينه وهو عمربن بحر الجاحظ والآخر معروف بالسخف والخلاعة وهو إسحاق بن إبراهيم الموصلي فإنه ... وقال هو والجاحظ لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا ...قال الخطابي : والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام أحدها في اثبات الصانع ووحدانيته وإنكار ذلك كفر ، والثاني في صفاته ومشيئته وإنكارها بدعة ، والثالث في أحكام الفروع المحتملة وجوها ، فهذا جعله الله تعالى رحمة وكرامة للعلماء ، وهو المراد بحديث ( اختلاف أمتي رحمة). من هذا التفصيل يتضح أن الاختلاف ثلاثة أنواع: الاول: اختلاف في الأديان والمعتقدات ولا شك أن الدين عند الله الإسلام. الثاني: اختلاف في فهم الكليات والأصول الإسلامية، وهذا اختلاف في دائرة الإسلام إلى طوائف وفرق وهذا المقصود بحديث افتراق الأمة إلى أكثر من سبعين فرقة. الثالث: اختلاف في الجزئيات والفرعيات، وهذا اختلاف مشروع ومن هنا انقسم المسلمون إلى مذاهب فقهية متعددة ويدخل في هذا تعدد الجماعات والحركات الإسلامية المعاصرة. وتعدد الأحزاب أو ما يسمى بالتعددية السياسية ويدخل في هذا التعددية الثقافية. ومن الممكن أن يستعمل مصطلح الافتراق للاختلاف المذموم. * قال ابن تيمية: الاختلاف رحمة وأهله معذورون، والافتراق عذاب وفرقة ولا يعذر أهله . فأهل السنة المختلفون في الفروع داخلون في قوله تعالي (( إلا من رحم ربك)). لأنهم باينوا الذين (( ولا يزالون مختلفين ))، وهم أهل الأهواء والافتراق. والاختلاف في مسائل الاجتهاد وقع قطعا من السابقين أهل الفضل والرحمة (الصحابة والتابعين ) ولم يوجب افتراقا ولا خصومات في الدين . قال الشاطبي: الفرقة التي بيه عليها قوله تعالي (( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينت)) ، روى أبن وهب عن إبراهيم النخعي أنه قال هي الجدال والخصومات في الدين )) ‘ قال : ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يتفرقوا ولا صاروا شيعا لأنهم لم يفارقوا الدين ، وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد إلى الرأي والاختلاف في كل هذه الدوائر محكوم بأدب الاختلاف. وأول ذلك سلوك المناهج العلمية في معرفة الحق. وثانيه: الحوار والمجادلة بالحسنى حول المسائل المختلف حولها، ونبذ العصبية للأشخاص أو الجماعات. كل من كان خارج الثلاجة فقد فسد. وثالثها الا يؤدي الاختلاف إلى العداء والتباغض والذي قد يصل إلى الاقتتال.