"الشيخ فيصل مولوي من أفضل من عرفت وجالست ليس في لبنان؛ بل في العالم الإسلامي.. علماً وحكمة وإخلاصاً وأخلاقاً"، بهذه الكلمات رثى الشيخ سلمان العودة على صفحته بالفيسبوك الشيخ فيصل مولوي الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان، الذي تُوفِّي أمس الأحد 08-05-2011 عن عمر يناهز ال70 عامًا؛ بعد صراع طويل مع المرض. والفقيه القاضي فيصل مولوي داعية ومفكّر إسلامي، معروف في العالم الإسلامي وفي أوروبا. ويعتبر أحد أكبر الدعاة والمفكرين الإسلاميين في السنوات الأخيرة، ويذكر اسمه في مصاف علماء العصر ومفكريه الكبار من أمثال الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ فتحي يكن رحمه الله وغيرهما. كان الفقيد – الذي يوارى الثرى عصر اليوم بمدينته طرابلس- رئيساً لجمعية التربية الإسلامية في لبنان، وشغل منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية خلفاً لفتحي يكن، كما رأس بيت الدعوة والدعاة منذ تأسيسه سنة 1990 ، وهو عضو اللجنة الإدارية للمؤتمر القومي الإسلامي، وعضو اتحاد العلماء المسلمين. حياة حافلة درس مولوي الحقوق بالجامعة اللبنانية، والشريعة الإسلامية في كلية الشريعة بجامعة دمشق، كما حصل على شهادة الدراسات المعمقة من جامعة السوربون بباريس. وعُيّن قاضيًا شرعيًا في لبنان سنة 1968، وتنقّل بين المحاكم الشرعية الابتدائية في راشيا وطرابلسوبيروت، ثُمّ عُيّن مستشارًا في المحكمة الشرعية العليا في بيروت سنة 1988 وبقي في هذا المركز حتى استقالته سنة 1996، قبل أن ينال مرتبة "قاضي شرف برتبة مستشار" 2001. أمضى فيصل مولوي في أوروبا خمس سنوات من عمره بداية الثمانينات من القرن الماضي، كانت حافلة بالإنجازات، وألف خلالها عدداً مهماً من الكتب، كما أسَّس في فرنسا الاتحاد الإسلامي والكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية، وأصبح مرشدًا دينيًا لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا منذ سنة 1986، وبَقِي على تواصل مع أكثر المراكز الإسلامية في أوروبا حتى وفاته. فتاوى مستنيرة واشتهر الفقيد فيصل مولوي بفتاواه التي لم يخش أن يطرق بها المواضيع الشائكة والمثيرة للجدل، بل تميز عن غيره بفكره المستنير في استنباط الفتوى الشرعية مما يمليه العصر، وحاجة الناس، غاضاً الطرف عن ما يمكن أن تسببه هذه الفتوى من نقاش أو جدال. فأفتى رحمه الله في المواضيع السياسية الجارية في لبنان والمنطقة، والصراعات العسكرية كتدخل القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، وحكم التعامل مع أسراهم وجنودهم، كما تناول مواضيع اقتصادية ومالية؛ من قبيل المعاملات الربوية؛ ومشروعية التعامل مع البنوك في الغرب، كما لم يغفل الجوانب الاجتماعية والتربوية، ومن بين فتاواه مثلاً حديثه عن الطريقة المثلى لتعليم الثقافة الجنسية للمراهقين. وبحكم معايشته للأقليات المسلمة في أوروبا خصص الشيخ مولوي قدراً كبيراً من بحثه الشرعي لما يعانيه هؤلاء في حياتهم اليومية من مصاعب بسبب التباين الكبير بين منهيات المعتقد وثقافة الشارع في تلك البلاد. ومن بين فتاواه الشهيرة في هذا المجال، رده الوافي يوم سوئل عن مشروعية حب المسلم لغير المسلم، حيث قال "لا يمكن أن يكون في قلبك حبّ لغير المسلم بسبب كفره، فهذا أمر محال، لكن قد يكون في قلبك حبّ له لاعتبارات أخرى. قد يكون صادقاً فتحبّ فيه صدقه، وقد يكون وفياً فتحبّ فيه وفاء العهد، وقد يكون معك أميناً في التجارة فتحبّ فيه هذه الأمانة، وأنت تحبّ له الهداية في كلّ الأحوال. هذه المشاعر قد توجد بينك وبين غير المسلم، وهي تختلف عن الحب في الله الذي لا يمكن أن يكون إلاّ لإنسان مسلم، والذي يكون مجرّداً من كل الاعتبارات الأخرى، بينما حب الكافر حين يوجد لا بدّ أن يكون مرتبطاً بأسباب أخرى." مؤلفات مهمة بدأ مولوي العمل في الحقل الإسلامي في عام 1955، ومنذ ذلك التاريخ أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات الهامة، التي تطرق خلالها للكثير من القضايا التي تهم الأمة، وتميزت بزاويته الخاصة في دراسة وتحليل الأمور، من منطلق الحاجة وما يمليه العصر، ومن مؤلفاته: تيسير فقه العبادات. ودراسات حول الربا والمصارف والبنوك. وموقف الإسلام من الرقّ. وأحكام المواريث. نبوّة آدم. المرأة في الإسلام. حكم الدواء إذا دخل فيه الكحول. السلام على أهل الكتاب. المفاهيم الأساسية للدعوة الإسلامية في بلاد الغرب. أثر انهيار قيمة الأوراق النقدية، بالإضافة لسلسلة من الكتب الدراسية عن التربية الإسلامية للمراحل التعليمية المختلفة.