عقدت مساء الأربعاء 18-7-2007م، بدار هيئة الأعمال الفكرية بالخرطوم، حلقة نقاش حول "الأسرة السودانية:بين الثبات والتغيير" ، قدمت فيها ست اوراق عمل شارك في إعدادها الأستاذ عبد الحافظ عبدالرؤوف مدير الهيئة، بورقة عنوانها «من قضايا العدل الاسري» ، والسر السيد الإعلامي المعروف، الذي أعد ورقة بعنوان" الأسرة السودانية : علاقات القوة"، والأستاذة هادية حسب الله، الأستاذة بجامعة الأحفاد، والقيادية السابقة بحركة القوى الوطنية الديمقراطية المعروفة ب"حق"، والتي حملت ورقتها عنوان" المنظور التقليدي لفهم الدين الإسلامي :تحدي يواجه مساواة وتمكين المرأة المسلمة، والتي أثارت جدلا مثيرا من المعقبين. وشارك عدد من الباحثين في مناقشة الأوراق المقدمة الورقة الأولى آدم سعيد كباوا قال في ورقته «نظرات حول الاسرة في جنوب السودان» ان الاسرة في الجنوب تقوم وفقا لقواعد محددة لكل قبيلة وجماعة وتعتمد القبائل على اعراقها وقوانينها ولا تعترف بالزواج خارج اطار هذه الاعراف مؤكدا ان العفة والطهارة هما ميزتان جامعتان ومتلازمتان لحياة القبيلة وان الاسرة تقوم وتؤسس وفق قوانين ولوائح محددة، مشددا على ان الاعراف والتقاليد تحكم حياة الفرد بالكامل مؤشرا الى ميل اهل الجنوب الى حسم قضايا الاسرة امام محاكم السلاطين ليتم الفصل فيها حسب عرف القبيلة بما في ذلك قضايا الورثة مؤكدا ان تأثير المدينة والمدنية في حياة انسان الجنوب شكلي وغير عميق مع سيادة روح القبيلة عند الافراد من حيث تأسيس الاسرة وتربية الابناء داعياً الباحثين للتوسع في دراسة نظام الاسرة التقليدية في جنوب السودان والتقصي حول الآثار السالبة للحرب على مؤسسة الاسرة هناك ودراسة دور الاسرة التقليدية في صناعة السلم الاجتماعي. الورقة الثانية الدكتور عصمت محمود تناول في الورقة الثانية مفهوم التربية الاسرية والتنشئة العاطفية منبها الى حاجة الطفل للعاطفة كحاجته للطعام والشراب مقسما مراحل الطفولة الى اربع مراحل، الولادة والرضاعة والطفولة المبكرة والطفولة الوسطى والطفولة المتأخرة مؤشرا الى ان التربية الاسرية «هي الجهد والدور الذي تقوم به الاسرة من اجل تهيئة الفرد وتنمية قدراته وملكاته الجسمية والعقلية والقيمية والنفسية وسائر الابعاد التي تلون شخصيته ليعيش حياة ملائمة سوية في مجتمعه» متناولاً واقع التنشئة العاطفية للاطفال في الاسرة السودانية مؤكدا ان ما يسود مجتمعنا السوداني من موروث اجتماعي وثقافي متراكم وكثيف لا يوفر مرجعية محفزة لنشوء بيئة اسرية ذات علاقات عاطفية سلسلة »فهناك موروث اجتماعي ثقافي ثقيل يكبل الاسرة ويحول دون نهضتها بدورها الاتم في التنشئة العاطفية للطفولة». الورقة الثالثة علي اسماعيل جامع اشار في ورقته «دور الاسرة السودانية في الزواج والطلاق» الى ان عددا من العوامل جعلت للاسرة السودانية دورا حاسما ونهائيا في اختيار الزيجات لابنائها وبناتها وحصر ذلك في الكفاءة والقرابة اللتين نتج عنهما استعلاء اجتماعي بحيث تفضل قبائل على اخرى على أسس الاحساب والانساب والجاه والاعراق وكذلك دورا حاسما في محاصرة الطلاق وعدم انتشاره مؤكدا ان المنفعة هي التي جعلت هذه الاشياء موجودة في الاسرة القديمة حيث يعيش الولد او البنت في كنف والديه عاملا او موظفا لديهما ولا يستطيع الخروج من القيود المفروضة عليه من قبل والده بسبب هذه المنفعة، ويشير جامع الى ان الدولة الحديثة غيرت كثيرا فيما كان سائدا وطرأت تغييرات على الاسرة السودانية خاصة في الزواج والطلاق ولم تعد الاسرة كسابق عهدها متوقفا عند بعض المظاهر السالبة كتأخير سن الزواج «العزوبية والعنوسة» والاستعلاء العرقي مؤكدا ان هذه الظواهر تستدعي اعادة نظر في عاملي الدين والاخلاق داعيا الى اعادة النظر في التقاليد الموروثة والفقه الموروث وتجديده بفقه آخر يحقق قيم الدين التي تأتي للناس بالنفع في الدارين. الورقة الرابعة في الجلسة الثانية قدم عبد الحافظ عبد الرؤوف ورقته الموسومة «من قضايا العدل الاسري» مفرقا فيها بين مفهومي العدل والمساواة مؤكدا ان كلمة العدل اشمل من كلمة المساواة قائلا «كل عدالة هي مساواة ولكن ليست كل مساواة عدالة» مشيرا الى ان القرآن يستخدم «عدل وقسط» في العلاقات الاسرية اكثر من استخدامه لكلمة مساواة مؤكدا ان العلاقة الاسرية في التصور القرآني ليست شأنا دنيويا صرفا وليست شأنا فرديا وليست مقدمة على علاقة الدين مقدما بعض الملاحظات على اشكال العلاقة في المجتمع السوداني ما قبل العلاقة الزوجية «الخطبة ومتعلقاتها» متوقفا عند الحقوق التي لا يراعيها المجتمع السوداني ولا يلقي لها بالاً كالحق في معرفة التاريخ الاجتماعي والصحي للطرفين «فمعرفة الطرفين عن علاقات الطرف الآخر حق مهم ويؤثر تأثيراً كبيرا على ترتيب الحقوق بينهما». الورقة الخامسة اما هادية حسب الله التي اهدت ورقتها «تحدي يواجه مساواة وتمكين المرأة المسلمة» الى سارة مجدي «الصغيرة التي وقفت ترقب بحزن اخاها احمد وهو بساحة الذكر في مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقوم بما يمنعها منه الكبار، يذكر الله ويتردد صوته عاليا: الله الله الله.. وهي تقف صامتة ودموع بعينيها وسؤال لم اجد له اجابة: «ليه يا خالتو ما اعمل زيو» وتختم هادية الاهداء «الى سؤالها هذا والى كل صغيراتنا اللائي يجب ان ينعمن بحياة عادلة في مجتمعهن وفي ممارسة دينهن اهدي هذه الورقة». ولم تتوان مقدمة الورقة في مهاجمة الفكر السلفي واصفة اياه بانه تأويل محدود للآيات والنصوص القرآنية التي يتناولها من منظور جامد ومتعسف يتنافى مع انسانية المرأة منبهة السلفيين الذين يتجاهلون خصوص اسباب نزول الآية 33 من سورة الاحزاب «وقرن في بيوتكن» ان الآية هي جزء من مجموعة من الآيات متعلقة بتنظيم العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم ونسائه تبدأ بتخييرهن بين التسريح باحسان «الطلاق» ان كن يردن الحياة الدنيا وزينتها وبين البقاء في عصمة النبي والوعد بالاجر العظيم في الآخر، الى عدم تجاهل «خصوصية حياة الرسول في وقت نزول الآيات» مطالبة بعدم ابعاد المرأة عن المجال العام حتى لا يصل الامر لابعاد المرأة حتى عن المسجد مثلما ذهب احدهم في كتاب بعنوان «حسن الاسوة بما بث من الله ورسوله في النسوة» وتخلص هادية الى ان تحرير النساء ليس كما يرى السلفيون انه محض «بضاعة غربية» انما هو «بضاعة انسانية» مؤكدة انه «آن الأوان لان تجد نساؤنا كرامتهن داخل دينهن مهما كانت الاثمان التي ستدفع فهي ارخص بالتأكيد من الفصام النفسي الذي يحشر السلفيون فيه نساءنا الباحثات عن انفسهن في حياة حديثة وأكثر انسانية». الورقة السادسة السيد السيد قال ان الاسرة ظاهرة اجتماعية مثلها مثل الدولة ظهرت بشكلها الذي نعرفه عبر تطور كبير مشيرا الى انها ليست كيانا مقدسا سيبقى على شكل واحد الى الابد وهي «في منظور الاسلام العام منظومة للقيم يمكن ان تتبدى في اي شكل اتخذته الاسرة». وينطلق السيد في ورقته «الاسرة السودانية علاقات القوة» من فرضيات اربع اولاها ان قمة خلل ما لازم التاريخ الانساني بشكل عام «وهو ما يمكن ان نسميه الهوية على مستوى النوع والخلل هنا هو التمييز ضد النساء الذي يلتقي ويتقاطع مع انواع التمييز الاخرى كالطبقي والاثني والديني وغيره» والفرضية الثانية انه لا يمكن النظر الى الاسرة بمعزل عن ديناميكية العلاقة بين الجنسين والفرضية الثالثة ان الاسرة النووية التي تقاربها الورقة هي الاسرة السودانية المنتمية للثقافة العاربية الاسلامية او المتأثرة بها. واخيرا تنطلق الورقة في النظر الى الاسلام ليس بحسبانه دينا فقط يحض على تعاليم بعينها وانما بحسبانه كذلك ثقافة وذاكرة وطقوسا وقوانين عاشت بين الناس وعاش معها الناس من خلال تأويلاتهم الخاصة المحكومة بشروطهم التاريخية ورؤاهم وتقاليدهم. ويجيب السيد على سؤالي لماذا يتزوج الرجل ولماذا تتزوج المرأة متوقفا عند «ما يشبه الوثيقة السرية لحقوق الرجل على المرأة» التي تترتب عليها علاقات القوة ونظام الاسرة مشيرا في خاتمة ورقته ان محاولته «خلق رابطة بين بعض النصوص الدينية والمتخيل الثقافي والتقاليد وتأثيرها على خلق علاقات القوة غير المتكافئة تقوم على أن تصوراتنا عن وضع الاناث والذكور داخل الاسرة تقوم على تفاعل هذه الرابطة بعضها ببعض، فهي بحق الأساطير المؤسسة لايديولوجيا الاسرة السوداني المصدر: هيئة الأعمال الفكرية