السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعارضة وعقبات الراهن!!
نشر في السودان اليوم يوم 29 - 03 - 2018


بسم الله الرحمن الرحيم
المعارضة وعقبات الراهن!!
عبدالله مكاوي
ليس هنالك من يماري، في ان الاوضاع الآنية، وصلت مرحلة من التعفن والركود ليس لها مثيل. وذلك نتيجة حتمية لسياسة عدمية، لسلطة فساد مطلق. وهذا ما لن يداويه إلا اجراء عملية جراحية تستاصل الورم الخبيث، كي تحافظ علي ما تبقي من جسد الدولة وعافيتها.
إذا كان من سبق تلخيص للراهن، فالمؤكد ان المعضلة تكمن في التفاصيل. اي حول كيفية وآليات الخروج من النفق المظلم، ومن ثم الشروع في اعادة اللحمة للدولة المحطمة، وتدبير شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وبما ان الشيطان يتسلل الي التفاصيل، وهو ما يعني تضارب المصالح والاولويات، إلا ان الجزء الاعظم من عمل الشيطان، يتمثل في الفتن والالغام التي زرعتها الانقاذ، من خلال اعادة الدولة السودانية الي مرحلة ما قبل الدولة! وذلك بعد ان سفهت ارثها الحضاري وتجربتها السياسية وما تحصلت عليه من كسب حداثي متواضع. لترجعنا لمحطة تعريف تلك المسلمات، ان لم يكن مجرد التعرف عليها، ناهيك عن تمحيصها والاستفادة منها! اي بعد ما يقارب ثلثا قرن من الاستقلال، ما زالت تلفنا الحيرة، ليس حول كيفية النهوض بالدولة الي مصاف الدولة المتقدمة، ولكن حول ماذا نقصد بالدولة السودانية ذاتها، بكل ما تحمله من مكونات وتباينات؟! وما نخلص اليه ان هنالك صعوبة في اجراء المعالجة، ولكن لحسن الحظ ليس هنالك استحالة، إلا في حالة الاستقالة من القيام بواجب المحاولة.
واول خطوات الحل (المعالجة) تبدا بتحديد العلة والمتسبب في حدوثها. وبما ان تحديد العلة قد يفتح المجال امام مراوحة من الابعاد التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية، ولذا يمكن اختزالها في العجز عن انشاء دولة بالمواصفات الحديثة. والحال كذلك، تصبح المسؤولية الرئيسية عن هذا الفشل، مرجعها النخبة السياسية! وهو ما يستوجب نوع من التنازلات من جانبها، لصالح النخبة التكنوقراطية. بمعني آخر، يجب اعادة النظر في المنظومة السياسية بشكلها الراهن، والذي تتغول فيه السياسة علي كافة الانشطة والمجالات، وهذا عندما لا تهمش المواهب المهنية والابداعية غير المسيسة (شئ شبيه بتغول كرة القدم علي بقية الانشطة الرياضية، رغم الفشل المزمن الذي يلازمها علي مستوي النتائج والانجازات، مما يشئ بان المسالة له ارتباط بتكوين الشخصية السودانية، اي الحماس للقضية والتعصب للاختيار، لدرجة تذهب بالمعقولية والنسبية ادراج الرياح، والمفارقة ان التجربة اثبتت ان ذلك المسلك اول ما يضر بالقضية ذاتها). وبكلام اوضح، اعادة تاهيل السياسة بحيث تستوعب كافة المجالات من موقع الندية، او تجاورها دون نزعة استحواذ او غرور سيطرة! او بكلمة واحدة، رد الاعتبار لمراكز البحوث. وهذا بدوره يقود الي اعادة البصر كرتين، في الطريقة العتيقة التي تدار بها الاحزاب، والتي تجعل من السلطة غاية حصرية، ومن القيادة منطقة محرمة! ولن ينجح ذلك، إلا بإتاحة المجال امام كافة القدرات الادارية والتنظيمية والمواهب الاقتصادية والفكرية والنقدية، لتعبر عن ذاتها في بيئة صحية (حرية وديمقراطية). وتاليا التخلص من العادات السيئة، كالاعتماد علي القائد الفذ، القادر علي صنع المعجزات! والتحول الي العمل بروح الفريق، او منظومة تتحدد فيها الادوار والمهام ومستحقاتها وحدودها، ومن ثم رد الاعتبار لشاغلها، وكل ذلك بصورة متناغمة وفعالة لا نجاز الاهداف. ويوازي ذلك القدرة علي بناء التحالفات مع التنظيمات والكيانات الاخري، وبما فيها اقناع غير المنظمين ببرامجها. وباختصار التحرر من النظرة الحزبية الضيقة (التاريخية/التاسيسية) والانفتاح (بروح شبابية) علي الرؤية الوطنية الشاملة، والتي لا يمثل فيها الحزب إلا جزء من كل. وإذا كانت هذه الرؤية تجد نوع من التصريف اثناء الازمات او في مواجهة الشموليات (اي مؤقتة/تكتيكية)، إلا ان الانسداد هو اول ما يواجهها عند التخلص من العائق، الذي يقف امام طموحاتها في السيطرة علي السلطة. وبناء عليه، تمثل السلطة كعب اخيل الاحزاب السياسية، او الصخرة التي تتكسر عندها كل المبادئ والشعارات. والسبب ان السلطة تمثل نهاية الطموح، وليس الفرصة لاختبار المشروع! وما يترتب علي ذلك من مسؤولية، ليس امام الجمهور الذي اختار مشروعها، ولكن امام مصداقية القائمين علي امر المشروع (الحزب). اي هل البرامج المقترح مناسب فعلا لحل الاشكالات المطروحة؟ ام تعتريه كثير من المثالب والقصور، التي تستدعي المعالجة، او التخلص من المشروع برمته إذا ثبت فشله، ومن ثم اتاحة المجال لغيره من المشاريع، علي شريعة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). ومن هذه الزاوية تحديدا، كانت نكبتنا مع المشروع الاسلاموي، الذي لم يستوفِ لا شرط القبول الطوعي عبر الانتخاب، ولا شرط المسؤولية الاخلاقية، بالاعلان عن الفشل وترك السلطة لغيرهم؟ بل العكس هو ما حدث تماما، إذا حلت المعاندة والمكابرة، محل الاعتراف بالاخطاء والاعتذار؟! وهذا بدوره ما يقود للعقبة القائمة امام المعالجة، والمتمثلة في بقاء منظومة الانقاذ والاصح هندسة الخراب! وما زاد كلفة هذه العقبة انحطاط، ان مشروع الانقاذ المرتكز علي دعامتين، ايديولوجية دينية من جانب، ومؤسسة امنوعسكرية من جانب آخر، هو مشروع تملك مجاني او سيطرة استباحية في الاساس؟ وتاليا يبيح اجتثاث كل ما عداه، من احزاب سياسة ومؤسسات دولة وقيم مجتمع. والحال كذلك، مجرد وجود هكذا مشروع، يعني مباشرة ازاحة السياسة والحرية وكل الحقوق من الفضاء العام! اي يؤول الي ملك عضوض او مشروع توحش، يصادر الحاضر ويرهن المستقبل للمجهول. واكبر تجليات هذا النهج السلطوي، تتجسد في تقديس السلطة وتعالي المتسلطين! وتاليا توظيف كافة موارد الدولة المادية والمعنوية، لغاية حصرية، تتمحور حول المحافظة علي السلطة، في احسن صورة! ويستتبع ذلك بالطبع، ادودت (من اداة) كل ما هو خارج السلطة، وعلي راسها المواطن! اي يصبح الكافة تحت رهن اشارة السلطة، وبما في ذلك نزعاتها الغريزية (الحيوانية) وتطلعاتها الجنونية. إذا صح ذلك، يصح اكثر، ان الحديث عن الغلاء او عنف الميزانية (تجرُّدها من الرحمة) او الصرف البذخي علي ترف السلطة وآليات حمايتها، وصولا للتناول ملف الفساد، هو اصلا خارج السياق؟! اي ان مسالة السلطة للمنظومة الاسلاموامنية، تتعدي وضعية الغنيمة، الي رد الاشياء الي وضعها الطبيعي؟ اي رد الحقوق (الدولة بما فيها) الي اصحابها (السلطة المقدسة). بمعني، تم نوع من المماهاة بين السلطة/ المتعالي/المقدس، وبين هؤلاء الانقلابيين! والحال كذلك، تصبح السلطة مرجعية ذاتها، او معيار الشرعية بين المنتمين (لها) واللامنتمين! وعليه يصبح الامر، ليس مرض سلطة او ادمان تسلط (يمكن علاجها)، ولكن ذوبان السلطة نفسها في المتسلطين، وتاليا ليس هنالك مكان للسلطة اصلا خارج المتسلطين؟! وهذا بدوره يفسر ليس انكار الفساد وتبرير تجاوزات السلطة، ولكن يؤكد عقم مبادرات السلطة، كالحوار والانتخابات والسلام..الخ من تعبيرات او مشاريع حق، يراد بها باطل او شراء وقت ليس إلا. اي كل تنازل عن السلطة هو قطعا علي هامش السلطة، ولا يمس جوهرها بشئ البتة، وتاليا لا معني له، وليس هنالك ما يُرجي منه (رفعت الاقلام وجفت الصحف).
وخلاصة اعلاه، هي معرفة الخصم المراد مواجهته، او العائق اللازم ازالته، لتمر عجلة التغيير في مجراها الطبيعي. لانه من دون انجاز هكذا مطلوبات، لا مكان لاصلاح او حل او معالجة او يحزنون، علي اي شكل او درجة كان. وبما ان الخصم السالف ذكره، يمكن تشبيهه باخطبوط، مدجج بوسائل القوة الخشنة ومدرب علي العنف! ولكن المؤكد انه يفتقد للعقل وامكانية التعقل، فوق انه مجرد من اسباب القيم الحداثية والمعايير التحضرية، كمتطلبات كونية (ليس له مستقبل). وهنا تحديدا نقاط ضعفه التي يجب الاستثمار فيها، او تعمل عليها المعارضة حتي تجهز عليه. وجماع هذا يقودنا الي الآتي:
اولا، يجب الاعتراف ان النظام ما زال يسيطر علي وسائل القوة العسكرية والاساليب الامنية والاجهزة الاعلامية..الخ، وبصفة عامة يجيير جهاز الدولة لمصلحته. وهو ما يعني ان علي المعارضة تحييد القوة العسكرية، وعدم الانجرار الي ساحتها مهما كان حجم الاستفزاز، ولكن في ذات الوقت يجب البحث عن طرق، لاستقطاب طبقاتها الدنيا او غير المستفيدة من ريع المؤسسة، الذي يذهب لكبار الضباط، وللاستاذ الحاج وراق (حفظه الله) راي مفيد في هذا الاتجاه، استمعت اليه عبر اثير راديو دبنقا. بمعني، مؤكد للجنود وصغار الضباط اخوان واصدقاء وجيران، في امكانهم توعيتهم وتبصيرهم بحجم الفساد، الذي ترتع فيه قيادات النظام ونساءهم وابناءهم وشركاءهم (اي هم بشكل او آخر يحمون هذه الممارسات المنحرفة، وليس الوطن ومصالحه بحال من الاحوال!). وكذلك دعوتهم لادارة مثل هذه النقاشات واثارة تلك القضايا المشابهة، مع زملاءهم داخل المؤسسة العسكرية، اقلاه من زاوية انعكاس ذلك علي مهنية المؤسسة وسمعتها! وهو ما ينسحب علي الاجهزة الامنية، ولو انها اقل استجابة في نظري، بحكم الغسيل المركز الذي تعرضت له عناصرها، ولكن باستخدام سلاح المقاطعة الاجتماعية، يمكن الضغط علي عناصرها الصغري والوسيطة. اما الاجهزة الاعلامية الحكومية رغم صعوبة اختراقها، إلا ان التطورات التكنولوجية ملكت المعارضة اداة فعالة لو احسنت استثمارها، عبر اتباع سياسة اعلامية واضحة، لا تستهدف تعرية نظام الانقاذ فقط، ولكن التبشير بالبديل ايضا، وكذلك عكس تجارب دول واجهت عقبات اصعب، ولكن بالتخطيط والعزيمة وتقديم النماذج الكفؤة والشفافة، تجاوزتها ومن ثمَّ انطلقت في طريق الديمقراطية والتنمية والتطور. وعموما، إذا صح سيطرة الانقاذ علي جهاز الدولة، وتوظيفه لتوطيد دعائم سلطتها، إلا ان الاكثر صحة، هو فشل الانقاذ في اقناع الشعب بمشروعها (الكاذب او اللامشروع)! بدلالة عدم الثقة، بل الكره المتبادل بينهما! وهو ما يؤكده التهام اجهزة الحماية والدعاية لما يزيد عن ثلثا الميزانية، لدرجة ان خط الصرف البياني علي تلك الاجهزة ظل في حالة تصاعد، والعكس صحيح اي خط التنمية والخدمات واصل الانخفاض. ويبدو ان هذه الدالة (الصلة بين الخطين) هي القانون الحاكم لكل السلطات الانقلابية. وهذا وحده كافٍ لاخراس السنة الانتهازية والطبالين، او ابطال نظرية الاستقرار مقابل الحرية، لان هذه ليست نظرية، ولكنها في احسن الفروض تبرير للعبودية؟!
ثانيا، رغم حالة التردي الاقتصادية، الناجمة عن غياب او تغييب الهم الاقتصادي ومترتباته عن ايدولوجية سلطوية بامتياز، إلا ان الدولة ما زالت هي المسيطر الفعلي علي الاقتصاد، وتاليا وقوع المواطن تحت رحمة تخبطاتها الاقتصادية، وبما في ذلك التعرض لاستغلال الشركات الخاصة التابعة للطفيلية الاسلاموية. وإ ذا اضفنا لذلك اجواء الارهاب التي استثمرت فيها سلطة الانقاذ كاولوية، وجدنا انفسنا امام كتلة عريضة من الجمهور، هي سلفا بعيدة عن متناول المعارضة (بسبب ارتهان الكتلة لمتطلبات اساسية بعيدة المنال) ولكن عندما نعلم ان هذه الغالبية هي اللاعب الفصل في ساحة الصراع، فعندها يجب علي المعارضة التكيُّف مع هذه الوقائع، ووضع الاستراتيجيات المناسبة لكسب النزال. بمعني آخر، من خلال التظاهرات الاخيرة، ظهر حجم الخوف والانشغالات المعيشية التي تغرق فيها قطاعات عريضة من الجماهير، وهذا في حال لم تكن هي القطاعات الاهم! وتاليا لابد من اجتراح وسائل تقلل من هذا الخوف وتتفهم طبيعة الانشغالات، حتي يتم الوصول الي مكامن الارادة المصادمة، والقادرة علي انتزاع حقوقها، بل والدفاع عنها ضد الاعتداء. وهذا الامر يجب ان يتم بالتدريج، وفي مراعاة كاملة لكافة الجوانب المرئية وغير المرئية، المؤثرة علي هذه الكتلة الجماهيرية. وافضل مدخل يمكن ان يكون سلاح المقاطعة لشركات ومصالح الراسمالية الطفيلية، واستثمارات الاجهزة الامنية والعسكرية؟! والمدخل الآخر يمكن ان يكون من خلال، بناء شبكات التضامن حول قضايا او حالات، كالمعتقلين والنازحين وضحايا السلطة. بمعني ليس هنالك ما يمنع، حزب الامة او الشيوعي او المؤتمر السوداني، من تبني حملة تبرعات مادية او عينية لمساعدة النازحين، او الاهتمام بمشاريع بيئية، تستصحب التوعية بمخاطر النفايات والمبيدات والسلع الاستهلاكية التالفة، بل واعادة فتح ملف دفن النفايات قرب سد مروي، خصوصا بعد ظهور مخاطر الزلازل والطفح المائي، وفي موازاة ذلك، يتم التبصير السياسي بحقوق المواطن وهموم الوطن، والمخاطر التي تتهددهما. وبالطبع ليس القصد من ذلك، تحول الاحزاب الي منظمات مجتمع مدني لا تتعاطي السياسة، او تزاحم تلك المنظمات في دورها! ولكن القصد هو التخفف من الحمولة السياسية الزائدة، وصولا لتغيير الذهنية السياسية نفسها او اقلاه تغيير بوصلتها (اهتماماتها!). فهي من خلال اتصالها المباشر بالمجتمع، تتلمس حاجاته الماسة (وهي غالبا ليست سياسية كما تتوهم الاحزاب، وان كانت السياسة مؤثرة فيها). وهذا بدوره يطلعها علي التحولات العميقة التي طاولت القاعدة الجماهيرية، وتاليا تصميم برامجها علي اساس هذه التحولات، عبر مواكبتها، ومن ثم العمل علي ضبطها وتوجيهها، الوجهة التحررية التطورية. وهذا في اعتقادي مهمة السياسة (كرسالة) ودور السياسيين (كقادة حقيقيين). والحال كذلك، يتم القطع مع ذاكرة اكتوبر وابريل، كموجهات او قائد للثورة والتغيير! والسبب بما ان الظروف مستجدة، فهذا ما يفرض تجديد الادوات وقبلها المفاهيم! لانه إذا لم تواكب القوي السياسية (وهي متقدمة علي غيرها) التغيرات الداخلية والخارجية، فكيف يتسني لها قيادة التغيير، او مجرد التبشير به كحلم مشروع؟ وبكلمة مختصرة، التغيير رهين التجديد في الافكار والادوات، وقطعا الشخوص الحاملة لهذه الطموحات.
ثالثا، عامل الهجرة ايضا من العوامل التي سببت فراغ، علي المستوي السياسي والنخبوي، الشئ الذي اضعف المعارضة من جهة، ومن جهة ثانية، سمح لقاصري النظم الشمولية بتسيُّد المشهد؟ لتغمر بخواءها وجهلها وغرورها كل الفراغات، فوق ما تنتجه من فراغات عريضة، لتسبب ما يمكن تسميته بمتلازمة الفراغ او نقص الكفاءة (مراكمة الاخطاء مما يفضي لتعقيد الازمات). المهم، الهجرة عملت علي انقطاع تواصل الاجيال، واستطرادا حرمان الشباب من خبرات ثرة، ليس علي مستوي الحضور السياسي والمدني والمهني والابداعي فقط، ولكن الاهم علي المستوي القيمي او (القدووي). وبما ان الهجرة طالت كافة النخب والكفاءات بمختلف التخصصات! فهذا ما يجعل واجب او اهتمامات هذه الكوادر المهاجرة، لا ينصب فقط علي الاهل والاصدقاء، ولكن ان تشمل برعايتها، كافة ربوع الوطن وتنوع قضاياه وعذابات مواطنيه. وذلك بما يتناسب مع ديون الوطن المستحقة، وحجم اخطاء وكوارث وسفاهة حكومة الانقاذ. وبالقطع، هكذا مسؤووليات تتعدي المساهمات، إن لم نقل المجاهدات، التي يقوم بها الكتاب والمفكرون والنشطاء في ارض المهجر، لتنتظم في شكل مشروع متعدد الابعاد والوظائف، والذي يستوعب مساهمات كل المهاجرين، لتصب كل هذه الجهود في قناة التغيير الداخلية (يمكن دراسة تجربة تكوين اسرائيل التي انطلقت من المهجر، اي كخبرة اصابت نجاح، وليس بالضرورة علي طريقة وقع الحافر). وذلك بعد التنسيق مع المعارضة في الداخل، حتي يتم استثمار تلك الجهود بالطريقة المثلي، الشئ الذي يعجل بزوال كابوس الانقاذ، والتاسيس للبديل الديمقراطي.
رابعا، وهي اهم نقطة (مطلب العصف الذهني) وتتعلق بكيفية تبني المعارضة لمشروع تغيير مرن وطموح، يستصحب كافة العقبات والاحتمالات، امام مشاركة غالبية الجمهور، وطريقة تخطيها؟ اي كيف يتمكن كل فرد، بغض النظر عن موقعه او جهته او مهنته او او، ان يساهم في مشروع التغيير (ازاحة الانقاذ/صناعة البديل). اي كيف يتحول مشروع التغيير من مشروع معارضة الي مشروع او هم وطني. والحال هذه، بدلا عن الاستسلام لمعيقات الواقع، او تلبية نداء الاحباط، والاستجابة لدعوات الياس! تتحول هذه المتاريس والمشاعر السلبية، الي فرص تحفز علي الامل والعمل، وممكنات تعين علي الجدية والمثابرة. اي العمل علي مشروع التغيير، هو في حد ذاته هدف وانجاز، ولو انه هدف مرحلي، إلا انه يظل الجهد الوحيد المثمر، والمفضي تاليا لانجاز الغايات الكبري. وعلي العموم، ما نحتاجه في هكذا ظروف، هو (الحلم الواقعي) الذي يستفيد ليس من اخطاء الماضي وعثراته، ولكن ايضا من كوارث الحاضر، سواء كانت سياسية او اقتصادية اوغيرها! اي الكوارث نفسها تشكل مدخل لوعي الواقع (الوعي بالكي!)، اي من خلال التنبيه للاسباب التي قادت للكوارث، ليتم تجنبها مستقبلا (آل البوربون/انصار الدولة الدينية يمتنعون). وهذا غير انها (الكوارث) تتيح المجال امام، بناء التضامن بين الفرقاء، وهذا بدوره يشكل اهم مدخل لتغيير الاوضاع! ولكن كل ما ذكر مشروط، بالاستجابة لنداء اللحظة وحسن ادارتها.
وبما ان البداية العملية والجادة لانجاح اي مشروع، تعتمد علي اختيار المدخل الصحيح. فان انسب مدخل للمعارضة يتمثل في اختيار هدف سهل، ولكن له قابلية خلق اجماعات حوله، ومن ثم الانتقال الي الذي يليه، وهكذا الي ان يتم الوصول للهدف النهائي، إذا كان هنالك هدف نهائي امام الطموح؟!
وكمثال بسيط يمكن اختيار قضية المعتقلين، وتحديد يوم للاحتفال بالذين تم اطلاق سراحهم، وبعد انجاز الترتيبات وشكل المساهمات وقنواتها او منابرها (بما يتيح المجال امام مشاركة الجميع ماديا او معنويا). يمكن الانطلاق من هذه الاحتفالية، لتناول القضية بمنظار اوسع، يقاربها من كافة الزوايا. اي كانتهاك صريح لحقوق الفرد، وبكل ما يخلفه ذلك من آثار سلبية علي المستوي، العائلي والسياسي والاقتصادي والنفسي وغيره. وكذلك يمكن التقدم خطوة، بتحديد يوم للاحتفال بهذه القضية سنويا لتسليط الضوء عليها، بل واجتراح آليات ووسائل ضغط لاخراج كل من في المعتقل، ورد الاعتبار له وللقضية التي دافع من اجلها. والاهم قطع الطريق علي اسباب الاعتقال، حتي لا تصبح مثل هذه الانتهاكات، فرصة لمتاجرة البشير ومزايدة قوش. المهم، النجاح في انجاز هكذا هدف، يعتبر مدخل او نقطة انطلاق لتحقيق اهداف اكبر، وذلك بعد الاتفاق عليها وعلي وسائل تنفيذها.
آخر الكلام
تحقيق اي انتصارات مهما كانت صغيرة، إلا انها مطلوبة ومفيدة! لدعم النواحي المعنوية اولا، ولتراكم الثقة بالنفس ثانيا، وهو ما يسمح لاحقا بكسر حاجز العجز والشلل، وعندها فقط، نضع اقدامنا علي طريق التغيير الطويل. ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.