منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبير في الشأن السوداني يقترح في الكونغرس الأمريكي بحث إمكانية حظر الطيران
نشر في السودان اليوم يوم 11 - 10 - 2011

عقدت بالثلاثاء 4 أكتوبر جلسة داخل لجنة مجلس النواب الأمريكي للشؤون الخارجية حول ( تقييم شامل للسياسة الاميركية تجاه السودان) ، نوقشت فيها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وبحث إمكانية فرض حظر على الطيران باستخدام القاعدة الأمريكية في جيبوتي.
ورأس الجلسة كريس سميث رئيس اللجنة الفرعية حول أفريقيا والصحة العالمية وحقوق الإنسان بحضور دونالد باين العضو البارز باللجنة.
وتم فيها الاستماع للمبعوث الخاص للسودان برنستون ليمان، والمؤسس المشترك لمشروع كفاية جون برندرغاست وكانت الإفادة الرئيسية لدكتور جيرار بيونير الخبير في الشأن السوداني.
وتحدث رئيس الجلسة عن مآسي الرق في السودان ، مؤكدا أن بلاده صنفت السودان في الفئة الثالثة من الدول بالنسبة لمسألة الرق، مما يعني أنه مصدر مستمر ومعبر ومقصد للنساء والأطفال والرجال المتعرضين للعمل القسري والاتجار بالجنس، فيما ركز الدكتور جيرارد بيونير على الوضع المتفجر في السودان منذ عادت الحرب إليه في 1 سبتمبر الماضي.
وقال بيونير، الأكاديمي الفرنسي الخبير في الشأن الأفريقي والذي أكد اهتمامه بالمسألة السودانية وارتباطه بالسودان بالمصاهرة، إن ما حدث في الشهور الخمسة الأخيرة عولم الحرب على طول الحدود من تشاد غربا وحتى إثيوبيا شرقا ولا يصح تسميته ب"انتهاك للسلام" أو “أزمة إنسانية| فهو أكبر بكثير مؤكدا أنه مفصلي حيث ستتخذ خطوات تؤثر على مستقبل البلاد على نحو نهائي.
وقال إن اتفاقية السلام الشامل قامت على فرضيات خاطئة: أن الشمال مسلم وعربي متجانس والجنوب مسيحي أفريقي متجانس، بينما أن الصحيح إن الأغلبية في الشمال أفريقية، عازيا سوء التقدير حول هذه الحقيقة للخلط بين العروبة والإسلام، وقال إن السلطة ظلت في أيدي أقلية نيلية عربية حاكمة، أقصت الأفارقة كلهم مسلمين ومسيحيين، وقال إن د. جون قرنق هو أول من قدم التحليل الصحيح لجذور الأزمة ولكن رفقائه أسقطوا دعوته لسودان موحد جديد بعد وفاته .
وعزا الأوضاع المتفجرة حاليا في جنوب كردفان ثم النيل الأزرق لرفض الجماعات الأفريقية المسلمة التي قاتلت مع الجنوبيين العودة إلى الهيمنة العربية بعد استقلال الجنوب. مؤكدا أن الخيار أمام نظام المؤتمر الوطني هو بين شن حرب على هذه الأغلبية الأفريقية وربما على دولة الجنوب، أو الوصول لنظام حكم ديمقراطي جديد مستعد لتوزيع الحظوة على أسس جديدة تراعي تطلعات الأغلبية الأفريقية المهمشة، معبرا عن استبعاده لقيام النظام بذلك، وقال إنه ربما يدخل في مفاوضات ولكنه لن يقدم على حل جوهري يخاطب جذور الأزمة.
وحول السياسة البناءة للولايات المتحدة قال بسبع مطالب أولها عدم توقع اختراق من النظام وألا تعطيه أمريكا أكثر من وعد بالمساعدة في إعفاء الديون يكون مشروطا بشكل واضح بتحسين ملف حقوق الإنسان في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، والسلام مع الجنوب. وثانيها دعم مبادرات جيران السودان خاصة يوغندا وأثيوبيا، وثالثها مساعدة ضحايا التشرد داخليا إنسانيا، ورابعها التشاور مع جوبا المعرضة لقلقلة استقرارها من قبل الخرطوم، وخامسها تحذير أرتريا من دعم الخرطوم في زعزعة الجنوب، وسادسها إبراز الحركة الشعبية في الشمال ودعمها في مساعدة الضحايا. وأخيرا، دراسة جدوى إنشاء منطقة حظر طيران لمنع الخرطوم من قصف المدنيين، وإمكانية استخدام القاعدة الاميركية في جيبوتي كنقطة انطلاق.
(ترجمة حريات للافادة المكتوبة لبرونير أدناه) :
شهادة الدكتور جيرار برونير الزميل غير المقيم بالمركز الأفريقي (مركز مايكل أنساري) بالمجلس الأطلسي (أتلانتك كاونسل)
أمام مجلس النواب الأمريكي- لجنة الشؤون الخارجية- اللجنة الفرعية لشؤون أفريقيا ، والصحة العالمية ، وحقوق الإنسان
حول “تقييم شامل لسياسة الولايات المتحدة تجاه السودان"
الثلاثاء 4 أكتوبر ، 2011
مبنى رايبيرن بمكتب مجلس النواب، الغرفة 2200
العاصمة واشنطن.
السيد الرئيس، العضو البارز باين، وأعضاء اللجنة الفنية الكرام:
أود أن أشكركم جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة للإدلاء بشهادتي اليوم حول الوضع الراهن في السودان والتعليق على خيارات الولايات المتحدة السياسية المتاحة بصدده. وبعد إذنكم ، فإنني سألخص شهادتي المعدة كتابة، وأرجو بكل احترام أن يدخل النص الكامل في محضر هذه الجلسة.
لقد عادت الحرب للسودان منذ 1 سبتمبر. إن وصف الأحداث التي عولمت الوضع وصعدته من أبيي لجنوب كردفان إلى النيل الأزرق على مدى الأشهر الخمسة الأخيرة بأنه إما “انتهاك للسلام" أو “أزمة انسانية" لا ينصف الحال وهو أكبر بكثير، وأكثر جدية: فالنظام السياسي السوداني ، وبعد 56 عاما من الصراع المستمر تقريبا، لربما يدخل في المرحلة الأخيرة من إعادة الهيكلة الأساسية التي ستحوله بعمق وبشكل دائم.
وبما أنني لست شخصية سياسية، ولا ناشط اجتماعي، ولا عامل إنساني، فإني أود أن أغتنم هذه الفرصة المهمة لتسليط ضوء أكثر عمقا، وأكثر هدوءا، وأكثر تاريخية على تلك الأحداث الخطيرة. (وبكلمة “هدوءا" لا أعني بأية صورة أنني “غير معني" فإني مرتبط بشكل وثيق بالسودان وشعبه، وملتزم جدا لمستقبلهم، بما أني مرتبط بهم ارتباطا وثيقا عبر عرى الزواج والعائلة).
“السودان" لم يكن أبدا دولة قومية. كان اسمه في حد ذاته، مأخوذا من مصطلح عربي يميز “أرض السود" (بلاد السودان) جغرافيا، وليس تاريخيا. قطعة من أفريقيا اقتطعها عشوائيا من القارة الأتراك المصريون الغزاة في القرن التاسع عشر. وبتبسيط الأمور، فإنه كان مزيجا غير مستقر من العرب ثقافيا، والمسلمين الأفارقة، والوثنيين الأفارقة الذين اعتنقوا المسيحية لاحقا.
كانت السيطرة الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية على هذا الخليط في الغالب بين يدي الغزاة العثمانيين، إلا أنه وفي وقت لاحق، وبعد فترة الاحتلال البريطاني، تم تمريرها لأيدي الأقلية العربية حول وادي النيل. وهكذا نشأ نظام حكم غير متوازن بشكل أساسي. وتم اعتبار وجود الغالبية المسلمة عموما من قبل البريطانيين، ولاحقا، من قبل كل من العالم العربي والمجتمع الدولي بأسره، على أنه يعني أن العروبة كانت مهيمنة في السودان. وقد كانت بالفعل كذلك، ولكن ليس نتيجة توافق ثقافي عام. بل كان ذلك تعبيرا عن السلطة والهيمنة السياسية. كانت الثقافة الإسلامية سائدة، ولكن الثقافة العربية لم تكن سائدة. وكان السودان في غالبيته فسيفساء ثقافية أفريقية سوداء تمارس العروبة فيه السيادة على أساس مساواة الدين بالثقافة.
على مدى السنوات العشرين الأولى من استقلال السودان كان ينظر للمشكلة باعتبارها دينية، تؤلب الأقلية الأفريقية المسيحية السوداء ضد الأغلبية المسلمة والتي اعتبرت غالبية “عربية"، على الرغم من أنها لم تكن كذلك. هذا أدى إلى الحرب الأهلية الأولى بين عامي 1955 و 1972 ولفترة من “السلام" القلق بين عامي 1972 و 1983م.
وعندما اندلعت الحرب الأهلية الثانية مرة أخرى في عام 1983م، قدم زعيم التمرد الجنوبي الدكتور جون قرنق دي مابيور رواية مختلفة لطبيعة هذا الصراع. ففي رأيه أن المشكلة نبعت ليس من فرق ديني، ولكن من عدم قدرة المركز العربي لدمقرطة حكمه وتكييفه مع الحاجة للاعتراف النابعة من الأغلبية الافريقية، المسيحية والمسلمة منها بسواء. لقد وضع سبب الحروب السودانية كلية على سيطرة المركز العربي على هامش غير عربي، بغض النظر عما إذا كان مسلما أم لا، وعما إذا كان عُرِّب هامشيا أو لم يعرب. إن خطابه حول ضرورة تمكين الأفارقة السود، بغض النظر عن ديانتهم، قد جذب لحركته عددا كبيرا من الأفارقة المسلمين، الذين كانوا في الحرب السابقة قد انحازوا لصف الأقلية العربية الحاكمة بسبب الدين.
وجاء تأكيد صحة آراء العقيد قرنق في فبراير 2003 عندما انفجر للعلن في دارفور، صراع كان منخفض الحدة واستمر يغلي على مدى السنوات الثمانية عشرة الماضية، فأدى لعنف الإبادة الجماعية الذي قتل فيه العرب المسلمون الأفارقة المسلمين. ولكن الوضع الناتج عن هذه الحالة الجديدة لم يتم الاعتراف به بشكل صحيح في اتفاقية السلام الشامل (CPA) الموقعة في نيروبي في يناير 2005. فصممت اتفاقية السلام الشامل كما لو أن التناقض الوحيد العنيف حاليا في السودان كان بين شمال مسلم متجانس افتراضا، وجنوب مسيحي متجانس بالمثل. كلتا النظرتان كانتا بنائين تجريديين، والوضع الراهن، الذي يتكشف منذ مايو الماضي والذي أدى إلى الحرب الحالية هو ببساطة حالة من إعادة تأكيد الحقيقة لنفسها ضد التبسيط الذي فرض على الوضع من خلال أجانب حسنو النية ولكنهم قليلو الاطلاع.
ماذا حدث بعد تنفيذ اتفاقية السلام الشامل؟ توفي العقيد جون قرنق في حادث بعد ستة أشهر من التوقيع على الاتفاقية، ومن ثم سقطت رؤيته لسودان موحد على قارعة الطريق، فرفاقه لم يشعروا بأنهم قادرون على الفوز في الانتخابات القومية الديمقراطية، ولم يرغبوا في البقاء متحدين مع شمال كرهوه بعد نصف قرن من الصراع. كل هذا ترك هؤلاء السكان المقيمين في هوامش مسلمة سوداء انجذبوا لخطاب قرنق السياسي فقاتلوا إلى جانب الجنوبيين خلال سنوات الحرب، في وضع غير مريح البتة. الملايين من المسلمين السود الذين كانوا يعتقدون أنهم يقاتلون من أجل حريتهم في إطار مستقبل حكم ديمقراطي جديد في السودان وجدوا أنفسهم فجأة قد وقعوا في فخ “سلام" مصمم دينيا ضئيل الاهتمام بتطلعاتهم. تطلعات عُبّر عنها بشكل ضعيف في النص الغامض حول “المشورة الشعبية" التي كان من المفترض أن تسمح بالتعبير عن المشاعر الشعبية ولكن من دون أي ضمان لأن تُعطى هذه “المشورة" أي تعبير عملي إذا جرى تنفيذها. وعلى العكس من ذلك: بدأ التداخل في الجداول، والنقاط المرجعية صارت غامضة جدا، والنتائج المقبولة (للمشورة) تحولت لمادة للجدل، وصار المشهد السياسي كله يظهر تجاهلا متزايدا لهؤلاء الناس الذين لا يناسبهم التجانس القسري المنصوب على مضجع اتفاقية السلام الشامل.
كان هذا سوء تقدير خطير للغاية من جانب المجتمع الدولي. إذ كان يعتقد أن التناقض الرئيسي هو ديني ما بين الشمال والجنوب وأن الانفصال من شأنه أن يحل المشكلة. بعد 9 يوليو 2011 ، أصبح من الواضح فجأة أنه المشكلة صورت بطريقة خاطئة، وأن القسم الثالث المهمل في المعادلة – الأفارقة السود المسلمون- ليس مستعدا للسماح لنفسه بالصمت فيعود مطويا في شكل جديد للحاف الهيمنة العربية.
وقد ظهر هذا الموقف للسطح مع انتخابات المجالس التشريعية الولائية في جنوب كردفان. حيث “فاز" في انتخابات الوالي مرشح حزب المؤتمر الوطني أحمد هارون (هو أحمد هارون نفسه الذي صدرت ضده لائحة اتهام من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور) في ظروف مثيرة للجدل، ضد السياسي المخضرم عبد العزيز الحلو الذي قاتل الى جانب الجنوبيين أثناء الحرب. وبعد هزيمة عبد العزيز المزعومة في التصويت، أمرت حكومة الخرطوم بنزع سلاح قواته. من وجهة نظر “منطق" اتفاقية السلام الشامل فقد كان لا مفر من أن ينصاع جنود الجيش الشعبي، بما أنهم من غير الجنوبيين، لأوامر الخرطوم. ولكن هذا غير عملي من الناحية السياسية لأن رجال النوبة المسلحين هؤلاء هم الحماية الأخيرة لمجتمعهم ضد العودة للقهر الثقافي والسياسي، ومجتمعهم متحسب لتهميشه باستقلال الجنوب. وكان قرار الخرطوم بسيط: إعلان عبد العزيز متمردا وسحق قواه العسكرية والسياسية.
أما زميله مالك عقار والذي وضع في حالة مماثلة، فكان قد انتخب واليا لولاية النيل الأزرق بتذكرة الجيش الشعبي، وشعر بأن بإمكانه التدخل بسطوة أكبر، نظرا لتفويضه الشعبي، ليتفاوض على بعض الحلول التي من شأنها أن تكون مقبولة لدى الخرطوم. ولكن في 1 سبتمبر ، عبرت السلطات في الخرطوم الروبيكون (كما فعل يوليوس قيصر: أي العبور لنقطة اللاعودة)، وقررت أن تضعه تحت وصفة العلاج المدمر الذي خصصته لعبد العزيز الحلو في كردفان. أصبحت الحرب معولمة في أنحاء البلاد كلها ، من الغرب إلى الشرق، من الحدود التشادية إلى الحدود الاثيوبية. ولكن هذا على نحو ما أوقع الخرطوم نفسها الآن في فخِ من صنع يديها.
إن النظام الحالي، الذي لا يزال تُطلق عليه صفة “إسلامي" أو “أصولي" ، هو في الواقع مجرد تجسيد آخر للهيمنة العربية في السودان.
وقد تجسدت الهيمنة العربية في السودان من قبل في الديكتاتوريات العسكرية تحت (حكم) إبراهيم عبود (1958-1964) وجعفر نميري (1969-1985) ، وقدمت نفسها تحت ستار الديمقراطية في ستينات القرن العشرين، وكذلك في وقت لاحق بين عامي 1985 و 1989م، ولوحت بعلم الشيوعية في عام 1969، وأصبحت مع “الإسلاميين" بعد عشرين عاما.
الآن، وبعد 56 عاما من الاستقلال، يجب أن يُتخذ القرار النهائي بشأن شكل النظام السياسي السوداني: فإما أن يحاول النظام ترسيخ نفسه في وضع يلخص الهيمنة العروبية، وفي هذه الحالة عليه أن يخوض معركة على الأقل لقتال غير العرب من مواطنيه المسلمين، وربما دولة الجنوب المستقلة حديثا؛ أو أن يقبل إدارة جديدة يتم فيها تنظيم الجغرافيا والثقافة والعرق وفقا لمعايير ديمقراطية جديدة. وبالتالي فإن السؤال المطروح اليوم هو: هل يمكن أن يتوقع من النظام الحالي في الخرطوم أن يقبل بصدق مثل هذا الفيض الهائل من الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، باختصار أن يقبل ثورة ظاهرة؟ إذا أخذنا سجله في الاعتبار، فإن الجواب على الأرجح هو “لا".
فتحت مسمى “استعادة النظام" ، بدأ نظام حزب المؤتمر الوطني شن حرب شاملة ضد شريحة كاملة من سكانه من المسلمين الذين ينتمون إلى مجتمعات غير عربية. ويجري تجنيد الميليشيات على أساس مجموعات- المسيرية في جنوب كردفان ، والفلاتة ورفاعة في ولاية النيل الأزرق، والتنجر، والبرقد والبرتي في دارفور حيث الحرب ما زالت مستمرة. ويتم الاختيار بعناية على أساس عرقي لهذه الميليشيات: ويتوقع منها، نظرا لمجموعة متنوعة من الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، أن تحاول بعنف إيجاد وضعية لنفسها، حتى وإن كانت هي نفسها من المسلمين السود. إننا ننظر لصورة من العنف المدني الهائل الواضح عبر الشريط الحدودي بأكمله، من تشاد إلى اثيوبيا. فلأي مدى زمني يمكن للمسيحيين في الجنوب “المستقل" الآن، قبول رؤية اخوتهم المسلمين يذبحون بدون التدخل؟ إن أماكن كل من المجموعات الثلاث الرئيسية للمجتمعات السودانية:العربية، والمسلمة السوداء، والمسلمة المسيحية يجري إعادة تقييمها الآن بعنف.
وباعتبار هذا الوضع، ما هي الاحتمالات المفتوحة الآن للولايات المتحدة لاتخاذ نهج بناء إزاء هذه الأزمة؟
بادئ ذي بدء، ينبغي لنا أن نتجنب خداع أنفسنا: ومع أن حدوث معجزة ليس مستحيلا، إلا أنه غير مرجح. ومن المرجح بالنسبة لنظام الخرطوم، نظرا لمواقفه السابقة تجاه المجتمع الدولي، أن يفعل تماما كما قال: أن يبذل قصارى جهده لسحق حركة المقاومة ويعتبرها مجرد تمرد غير قانوني. ويحتمل أن تحدث مناقشات بطيئة، ولكن المفاوضات الحقيقية التي من شأنها التعامل مع المعترف به من جذور عميقة جدا للمشكلة تبدو غير مرجحة بتاتا. وأقصى إجراء مباشر يمكن للولايات المتحدة القيام به هو تجديد الوعد بالمساعدة في (إعفاء) ديون السودان، ولكن بشكل يجعله واضحا للغاية هذه المرة أن العرض مشروط بتحسين سجل النظام في مجال حقوق الإنسان في دارفور وجنوب كردفان، والنيل الأزرق- وكذلك العيش بسلام مع جنوب السودان المستقل حديثا.
ثانيا، إن لجيران السودان، على نحو ما، تدخل أكثر سفورا في هذه المشكلة. هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة عليها أن تحاول، بعد إجراء التشاور اللازم، دعم المبادرات الممكن اتخاذها لا سيما من قبل الحكومتين الأوغندية والإثيوبية. إنهم قلقون للغاية، ويحاولون الآن أن يساهموا، ربما ليس في الوصول لحل (يعود للسودانيين أنفسهم)، ولكن في التخفيف من العواقب الإنسانية للصراع.
ثالثا، سبل ووسائل مساعدة الضحايا، لا سيما موجة المشردين داخليا، والتي ينبغي أن توضع في مكانها، على الرغم من أن الخرطوم سوف تتحجج بأن الضحايا ليسوا بضحايا بل مجرد “عصابات"، أو “متمردين" يستحقون مصيرهم.
رابعا، يجب أن تتبع ذلك مشاورات مستمرة مع السلطات في جوبا المتعرضة لخطر قلقلة استقرارها من قبل المتمردين الذين ترعاهم الخرطوم، لمنعها من مساعدة الضحايا في شمال السودان.
خامسا، يجب إبلاغ الحكومة الإريترية كذلك بأن التدخل في جنوب السودان لمساعدة وتحريض مثل هذه الخطط التي تتخذها الخرطوم لزعزعة الاستقرار هناك، هي سياسة غير مقبولة. والخطر هنا هو أن نرى تكرارا لدعم اريتريا لحركة الشباب الارهابية في الصومال، وهو تطور ينبغي أن يثبط بشدة.
سادسا، ينبغي الاتصال بممثلي الحركة الشعبية في الشمال لزيادة درجة بروزهم، وتمكينهم من تنظيم قنوات للمساعدة الإنسانية للضحايا.
أخيرا، يجب دراسة جدوى إنشاء منطقة حظر طيران لمنع قوة الخرطوم الجوية من قصف المدنيين. هذا ليس سهلا من الناحية الفنية، ولكن ينبغي على الأقل دراسة إمكانية استخدام القاعدة الاميركية في جيبوتي كنقطة انطلاق.
أشكركم على اهتمامكم. وإنني أتطلع لأسئلتكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.