تراسيم.. الرجل الذي طوى العلم!! تراسيم.. الرجل الذي طوى العلم!! عبد الباقي الظافر تردّد الرئيس البشير كثيراً من زيارة جوبا في اليوم الموعود.. عندما تأخّرت طائرته من الوصول إلى جوبا كان الحضور يهمس ربما لا يأتي الرجل.. لم يكن التردّد مردّه الخوف من الاختطاف الذي رسم ملامحه بعض ذوي القربى.. الرئيس كان يخشى أن يطوي علم السودان ويعود به إلى الخرطوم.. هذا السيناريو إن حدث سيكون مطبوعا في الذاكرة الشعبية..الأزهري والمحجوب رفعا علم الاستقلال وسلما دولتي الحكم الثنائي علميهما.. الجنرال سلفاكير أنقذ الموقف وقرر الاحتفاظ بعلمنا المطويّ في أدراج الدولة الجديدة. حسنا.. نحن الآن في أمس الحاجة إلى هذه الدبلوماسية.. إنقاذ الصديق وقت الضيق.. انتهى أمس فاصل في حياة الشعب السوداني.. من الأمس بتنا شعباً واحداً يتمدد في دولتين.. سنرتكب خطأً كبيراً إن حفظنا العلاقة الجديدة فقط في قوالب اللغة.. مثل ما فعلنا مع علاقتنا مع مصر الشقيقة.. التي توقفت قوة دفعها عند وصفها بالأزلية. المستقبل يتطلب أن تقوم العلاقة بين دولتي السودان على مبدأ التنازلات والواقعية السياسية واستيعاب الآخر.. سياسياً مطلوب من جوباوالخرطوم التأكد أن صناعة عدم الاستقرار ترتد كصدى الصوت إلى منبعها.. الواقعية تقتضي من الحركة الشعبية أن تنسى صناعة تغيير شامل في الشطر الشمالي.. مصطلح السودان الجديد ربما يحدث دون الحاجة إلى رياح جنوبية.. أي تدخل مباشر من جوبا ربما يكون مستفزا لوجدان الشمال المجروح بالانفصال. في ذات الوقت مطلوب من حكومة الخرطوم أن تكفّ عن التلويح بدعم القوى التي تستهدف الاستقرار في جوبا.. أي اضطراب في الجنوب سيدفع ثمنه الشمال في جيوش النازحين التي تعرف خارطة السودان من الجبلين إلى حلفا. أبيي تحتاج إلى تسوية.. الاستفتاء ما عاد حلاً ميسوراً.. ليس في الأفق إلا القسمة.. الخرطوم عليها أن ترضى بمقترح يجعل المدينة بزخمها التاريخي في يد دينكا نوك. وما عداها أرض خالصة للمسيرية تصلهم بمرعاهم ببحر العرب. النجاح في ملف الاقتصاد يخلق مصالح استراتيجية مشتركة.. النفط يجب أن يصل بين وجدان الأمة شمالاً وجنوباً.. كل الحقائق تؤكد أن نفط الجنوب يجب أن يصدر عبر الشمال.. على الخرطوم أن ترضى بنسبة تجعل أي خيار آخر ضرباً من الجنون الاقتصادي.. وفي ذات الوقت تمتدّ شبكات الطرق نحو الجنوب لتشجيع انسياب الصادرات والواردات. تيسير التواصل بين الشمال والجنوب يجعل من الانفصال أداة لتعميق الارتباط بين الشمال والجنوب.. اللغة العربية ستنساب جنوباً دون عائق آيدلوجي.. حتى الدين الإسلامي الذي كان ينظر إليه باعتباره دينا وافدا سيغدو ذا ملمح أفريقي مجرد من النظرة السياسية. كما قال الرئيس سلفاكير: ليس مطلوباً منا أن ننسى، ولكن مطلوب منا أن نتسامح.. قمة التسامح أن ننظر إلى المستقبل بتفاؤل.. وأن تسند كل دولة شقيقتها حين عسر. بصراحة نحتاج إلى دبلوماسية طيّ العلم في تقدير كل المواقف بين الشمال والجنوب. التيار نشر بتاريخ 10-07-2011