اليكم أنفاس المساكين و... آهاتهم ..!! الطاهر ساتى [email protected] ** أروع ما في أشعار الأهل بدار شايق أنها تلامس واقع حياة الناس وتعكس هذا الواقع كما هو بلا تلوين، وهي أشعار نجحت بامتياز في إجهاض نظرية ( أعذب الشعر أكذبه)..نعم، روائع أبناء هذه القبيلة المبدعة تثبت دائما بأن أعذب الشعر هو أصدقه وقعا - و واقعا - في المجتمع..(لسان الحال) التي جادت بها عبقرية حاتم حسن الدابي نموذج لما أعني، وكذلك (مرام ما جات)، واستمعوا الى محمد النصري حين يتحالف معه حميد وشقوري وآخرين ..أشعارهم تشغلك عن متابعة تقارير الصحف الإجتماعية وما ترصدها من أحوال الناس ومجتمعاتهم..وقبل رمضان بأسابيع، أهداني صديق احدى روائع صديقي خالد الباشا، والتي يؤديها عبد القيوم الشريف، ويبدأها الباشا بنص يوضح ( أي زول بردو قدرغطاهو، وكل زول همو قدر قروشو)..ثم يخاطب القطاع المستهدف قائلا (انت شقيان يا حبيبي، إلا غير رزقك ما بتحوشو )، وهي قصيدة تخاطب قطاع المغتربين، واستوفقني مطلعها الذي جاء بتلك الحكمة البليغة ( أي زول بردو قدرغطاهو، وكل زول همو قدر قروشو)..نعم يخطئ الفقراء حين يظنون بأن الأثرياء بلا هموم تؤرق مضاجعهم، وكذلك يخطئ الأثرياء حين يظنون بأن الفقراء هم الأقرب الى الموت والهلاك، جوعا كان أو بردا أو هما..ثم الحمد لله الذي (ما شقالو حنكا وضيعو) ..!! ** تلك خاطرة لا أدري إن كانت تصلح بأن تكون مدخلا ل(عرض حال ) بعض أحبابي بالشرق الحبيب، أم لا؟..اعتذر لهم إن تأخر نشر شكواهم، إذ كنت - ولا زلت - متحفظا على موالاتهم فيما هم يظنونه صوابا..وقضيتهم، أو فلنقل ( شكواهم)، نموذج من النماذج التي تحرجنا، حيث يظن البعض بأن المواطن دائما على حق وأن السلطات الحكومية هي الخاطئة ب(الفطرة والميلاد)، في أية قضية أو قرار أو موقف، وهذا ليس بصحيح..نعم كثيرة هي القرارات الحكومية التي ترهق المواطن، ومع ذلك كثيرا ما يرهق المواطن نفسه أيضا بمظان ( أنا لا أخطئ أبدا)، وهذا ظن خاطئ، وعلينا ألا نرسخه في أذهان الناس، وذلك عملا ب ( أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما)، أي إن كان ظالما بحجزه ومنعه من الظلم، وكثيرا ما يظلم المرء نفسه من حيث لايحتسب أو يتحسب..!! ** المهم، محلية بورتسودان أصدرت توجيها قبل أسبوع ونيف بمنع إستخدام ثلاجات الخضر والفاكهة لأي غرض آخر غير ( حفظ وتخزين الخضر والفاكهة)..وتوجيها كهذا قد يطرح في أذهان البعض تساؤلا من شاكلة : فيما كانت تستخدم تلك الثلاجات ؟..الطقس هناك يرهق الصائم، والصيف في البحر الأحمر كما تعلمون يختلف عن الصيف في كل ولايات السودان، حار وجاف..وقطاعا عريضا هناك طبيعة عملهم شاقة، و(عمال الكلات) هم أكثر الناس تأثرا برهق الصيام، وكذلك الذين شاء لهم القدر بأن يكونوا خفراء وعمال بناء وغيرهم من يستظلون بالهجير نصف ساعات النهار أو أكثر..وهؤلاء وغيرهم هم الذين كانوا يقضون بعض ساعات النهار في تلك الثلاجات نظير أجر متفق عليه مع أصحابها، ( خمسة جنيهات) ..!! ** المشاهد التي كانت تعكس تلك الوسيلة - المراد بها راحتهم وتخفيف وطأة العطش وحرارة الأجواء - كانت مشاهد مؤلمة ومحفوفة بالمخاطر الصحية ولاتسر الناظرين..فالثلاجات سعتها ضيقة، وليست بها نوافذ ومنافذ تجدد الهواء بداخلها..ومع ذلك،كان ملاكها يكدسونها بالبسطاء الذين لايملكون أثمان المكيفات والمراوح، ليكسب كثيرا.. سألت أحدهم يوم الخميس الفائت : (كم سعة ثلاجتك؟)، فأجاب مداعبا : ( والله يا استاذ لو النفوس إطايبت التلاجة بتشيل 10، 15 )..لم ترقني مداعبته، بل توجست وتساءلت : وماذا عن المخاطر الناتجة عن تكاثف أنفاسهم ، وغيرها من الروائح غير الإرادية، في صندوق محكم القفل ولاتتجاوز مساحته (12 متر مربع)..؟..فالأمر ليس كما تراه وتحسبه يا عزيزي صاحب الثلاجة ، وإن لم يصب أحدهم في الأعوام بسوء، فهذا لايعني بأن تواظب على المخاطر كل عام إلا أن يصاب أحدهم - أو كلهم - بسوء..فالوقاية خير من العلاج، ولذلك أرى بأن قرار المحلية صائب، إن كانت تريد به ( وقاية بعض رعيتها)، وليست (إحتكار تخزين الرعية في ثلاجات حكومية) في الأعوام القادمة..أي نأمل ألا نسمع - عقب هذا المنع - خبرا يفيد بان والي البحر الأحمرأو معتمده افتتح (مجمع ثلاجات ظلال الرحمة لتخزين البشر في شهر رمضان)، أوهكذا دائما تزينون للناس كل أنواع الإحتكار..و(كل شئ وارد) في زمان ندر أن تجد فيه رئيس محلية ينحاز نهجه للمواطن..فالمحليات تتقن فن تعذيب الناس، تارة برسوم مشروعة، وأخرى بعوائد وأتاوات يتبرأ منها حتى ( أورنيك 15)..ولذلك، يدهشنا بأن هناك محلية في السودان تحرص على حماية صحة سكانها من مخاطر التكدس في ثلاجات الخضر والفاكهة، ربما تريد لهم البقاء على قيد الحياة - بالصحة والعافية - لتضمن عدم انقطاع (الربط المقدر) من الرسوم والأتاوات، الله أعلم..على كل حال، عذرا للأحباب ملاك وأصحاب الثلاجات، وكذلك عذرا للبسطاء الذين ظلوا يغامرون بالتكدس داخل تلك الثلاجات في نهارات رمضان، هذا القرار الرسمى صائب، إذ يقيكم وأهلكم من مخاطر صحية كثيرة، حفظكم الله ورعاكم..وإذا شق عليكم الصيام بحيث لا مناص إلا تلك المخاطر، فأستفتوا أهل العلم ليفيدوكم بألا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة.. وتصوموا وتفطروا على خير ..!! ............... نقلا عن السوداني نشر بتاريخ 07-08-2011