الي سياسة الدولة الوطنية الديمقراطية..كيف؟ محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] كنا بالأمس قد تلمسنا ومن خلال امثلة تاريخية وشواهد آنية ماثلة ..انطلاقا من وثيقة الأزهر الشريف التي طرحها في غمرة صراع شارع الثورة المصرية حول ماهية شكل الدولة الأنسب لحكم هذه البلاد الكبيرة التي تاهت طويلا في سلسلة من أنماط الحكم الفرعوني الملوكي ولاحقا المملوكي والخلافات الاسلامية وألوان من حملات الغزو الاستعماري الفرنسي والتركي والانجليزي ..وما تخللها من مراحل كثيرة طويلة أو قصيرة من الصعب استدعائها في هذه العجالة ..فما يهمنا هو الربط بين التاريخ القريب الذي يجسر الفترة ما بين قيام ثورة الضباط الأحرار في يوليو 52 وعلي مدي ستين عاما من حكم وطني ربما هو علي مميزاته وعلاته كان يمثل العنصر الوطني المصري الخالص الذي حكم مصر الحديثة دون شك؟.. وهو وليد حركة عسكرية سلمية أودعت حكم الملكية العائلية المطلقة الي أرفف التاريخ في فترة استقطاب عالمي واقليمي.. اذا بدأ نظاما هائما بين سلطة البندقية والانحياز للشعب مرورا بغزل أخواني ومن ثم دلف الي جحر الدب الروسي بحثا عن الدفء فيه.. وتوالت بقية الأحداث التي شكلت كل المشاهد السياسية المصرية بصراعاتها مع الغرب وحروبها التي تفاوتت من العدوان الثلاثي و هزيمة 67 وانتصار أكتوبر..ثم اتفاقية السلام التي دفع السادات حياته ثمنا لها ومضي فيها خلفه مبارك الي مداها الأبعد في مملكته الجمهورية طويلة التيلة الي أن انتهي بمد اسرائيل بالغاز فيما الكثير من بيوت الريف المصري لا زالت تستخدم روث البهائم في اشعال نيران مطابخها..؟ بالطبع لسنا في حاجة لاستعراض كل تفاصيل ذلك الشريط الطويل والتي ترتسم فيها الكثير من مسسبات اشتعال الثورة المصرية التي شكلت الحدث الثاني في المنطقة بعد تونس التي الهبت الحناجر هتافا و السواعد شحذا للسيوف للاقتصاص من جلادي الشعوب.. ولعل الشعب السوداني الذي يجلس على مساطب الفرجة الآن هو الأعرق فى ابداع صرع الديكتاتوريات ..ولكّن؟.. فالشاهد أن ما يحدث من حولنا ليس شانا اجنبيا لا علاقة له بما يجول في خواطر شعبنا الصامت علي حيرته هو الأخر بين نظام مسخ يضع رجله علي رأس الأمة بحذاء عسكري وجوارب عقائدية..وبين ما يدور في داخل الذهن من ذكريات الثورات المسروقة ومآلات الديمقراطيات الممحوقة في نزاعات واستقطابات البيوتات من الأحزاب الدينية الطائفية التي لا تريد أن تنفض عن عباءاتها غبار القداسة الموروثة وتخرج الي الساحة وفق مفهوم حديث لدولة تحتكم الي دستور وطني ديمقراطي ..يوازن بين مدنية الدولة في شكلها السياسي والاجتماعي.. وبين عدم اغفال الخصوصية لعقيدة الأغلبية الاسلامية دون تغول علي حقوق ديانات أو ثقافات لاقليات أخري صونا للتعايش التاريخي وضمانا للسلم الوطني والاجتماعي الذي يتيح لعجلة التنمية والتقدم والعدالة أن تسير دون متاريس الفوارق الطائفية والأثنية التي سدد فاتورتها أمثلة كثيرة علي مستوي المنطقة ..دماءا وشتاتا وضغائن وفرقة وتخلف .. وانقسامات في البشر اوالأرض ولعل مثالنا نحن هو الأشد جرحا وايلاما ..اذ أحيا معه جراحات أخري لااحد يعلم نهاية نتيجة معالجاتها التي لا تبشر باندمالها ان لم تؤدى الى بترها لاقدر الله..! و ذلك يمثل دون شك درجة الاخفاق القصوي في ادارة شئون دولتنا ومجتمعنا علي مدي سنوات استقلالنا التي شكلت في مجموعها منعطفات ونقلات عالية في تاريخ وحياة أمم اخري ..بينما قعدت بنا نحن علي طولها في ارجوحة الديمقراطيات الخديجة والشموليات المنغولية التي توجت خطلها وتخبطها بالنتائج التي نحاول أن نلتمس الخروج من شباكها المنصوب حولنا طويلا.. سواء من البحث في دفاترنا الخاصة أو بالتواصل مع من يتقاربون معنا في كتابة وقراءة السيناريو بحكم أواوصر كثيرا لا يمكن انكارها أو تأثيرها علينا والتأثير فيها وان أبي المكابرون..! فمفهوم الدولة الوطنية الديمقراطية كما فهمنا من وثيقة الأزهر التي تمثل نموذجا توفيقيا بين التيارات الدينية والعلمانية .. لاقامة دولة لا افراط ولا تفريط.. تبعد عنها خطر التسلط بأسم الدين .. وتحفظ له مكانته كدين أغلبية بما لا يقصي حق معتنقي ديانات الأقلية ويجعل من الآسلام مرشدا لضمير المجتمع دون غلو أو تزمت أو وصاية الا فيما يحتكم اليه الناس في أحوالهم الشخصية الشرعية تبعا لما هو مستمد في الدستور من الشريعة والعرف والقانون كمكون لذلك العقد الوطني الشامل ..وبين دولة مدنية ديمقراطية بالانتخاب الحر في هرمها الحاكم دستوريا وتشريعيا وتنفيذيا واداريا .. واستقلالا قضائيا .. تتوفر فيها الحريات الاجتماعية المنظمة وفق الضوابط التي يقرها المجتمع بالتراضي وليس قسرا من متسلط ايا كانت ملته بادعاء حق الحسبة على الأخرين وفرص أرثه التاريخي الذي تجاوزه الزمن علي قطار الاستنارة الدينية المُجدد والآجتماعي المسئول في ألاوساط التي تتطع للغد استنباطا لروح الدين المواكبة للنهضة العلمية وتطور السلوك الأمثل ..دون التحجر في قوالب النصوص والتمسك بالقشور التي لاتخرج عن ابواب الآداب العامة لحقب تاريخية روحية مقدرة لها معطيات زمنها الذي لا ينكر أحد متانة و قداسة اعمدته التي اسست لبناء يفترض أن نشكل نحن ايضا علي دعائمه المتينة بنائنا وفق معطيات زماننا .. فالداعوان الي العودة القهقري تنطعا سيفوتهم قطار الدولة الديمقراطية الوطنية .. وبالمقابل فان اللاهثين لاستباق ذلك القطار سيدهسهم ايضا في طريقه.. اذا ما شطحوا في تحدي الشعور الغالب سعيا لعلمنة مجتمع الدولة علي النمط الغربي المنفتح في ليبرالية دون سقف.. لدرجة اباحة زواج المثليين أو تعاطي المخدرات علانية في الشوارع والحانات أو تقتين الاجهاض أو التعري في الجادة العامة بما يجرح الشعور.. ولعل حتي اولئك ربما سيطمنون الناس هنا وهناك بان ذلك ليس من شيمهم ولا من أحلامهم التي يجعلها المنائون لهم بعبعا للتنفير وفض السامر عنهم.. ويقولوا أن ذلك كله سيتأتي باسم الديمقراطية والحرية الشخصية بما يؤلب من جديد شعور التزمت الكامن في صدور من يتخذونها ذريعة للطعن في الديمقراطية السياسية في حد ذاتها ونعود من جديد لا ستقطاب ربما يرجعنا الي المناداة في الشارع بالنموذج الطالباني الذي الغي روح الدين وعقل البشر وأوقف عجلة التاريخ بل وأعادها سيرا علي تضاريس اقسي جغرافيا .. وتلكم هي النيجة ترونها بأم أعينكم علي الشاشات صباح مساء.. ويحضرني هنا مثال النمط الراقي للانضباط الآجتماعي العام في الشارع الهندي التي تغلب عليه الديانة الهندوسية وتحكمه دولة علمانية دون حجر علي التعدد الديني والأثني ودون تعد من طرف علي آخر الا لماما.. وذلك السلوك المتوازن في الأزياء وعدم الابتزال العلني في تصرفات الشبان والشابات ..! ولعل خير مثال شاهد لحياء ذلك الانسان المسالم منع القبلات في الافلام الهندية أو قل تحريمها كابسط مثال مطروح علي العالم الخارجي الذي لم يتجول في شوارع المدن الهندية..! وأرجو أن يكون ما طرحناه عموما علي تواضع الاجتهاد فيه انطلاقا من سياق التاريخ المصري والسوداني ربطا بما هو حاصل الآن واستشرافا لما يمكن تبنيه غدا .. يظل بابا مفتوحا علي مصراعيه لكل الأراء المؤيدة والمناوئة طالما انها ستنشل من بئر معارفها علي دلو المشاركة لتصب في هذا النهر الجاري والذي نريده متجددا بالافكار والرؤي دون حجر متزمت .. او استخفاف منفتح.. فاعتدال الطرح اسلوبا ومنطقا هو ما سيؤدي بنا في النهاية الي الغايات المنشودة التي تخلق الحد الأدني من أجماع التوافق علي المضمون ونجاعة تطبيقة ولا نقول الرضاء ..فهو غاية لاتدرك ولا الكمال يمكن أن يكون الا لله وحده .. انه المستعان .. وهو من وراء القصد.. نشر بتاريخ 15-08-2011