أثارت ما سميت ب "المحاولة التخريبية أو/ الإنقلابية" بقيادة رئيس جهاز الأمن، ومستشار عمر البشير للشؤون الأمنية السابق "صلاح عبد الله قوش الكثير من اللغط، وساد الخبر جلسات النقاش الإجتماعية (بما فيها مناسبات الزواج والعزاء) بالإضافة الى كونه محور نقاش مستمر في المواصلات العامة، ناهيك عن الإعلام المرئي والمقروء، أي موضوع الساعة. الخبر لم يكن مفاجأة، فإقالة الرجل من رئاسة الجهاز سيئ السمعة وتحويله لواحد من عشرات المستشارين والمساعدين الذين انعم النظام بهم على "عمر البشير" ثم تحويل مكانه لاحقاً، مرتبط ذلك بما يدور منذ وقت طويل عن صراع وفوضى داخل دهاليز النظام الحاكم، صراع يصوره البعض كونه مبني بشكل رئيسي على القبلية (شوايقة وجعليين) ما يعكس الدرك البائس الذي وصل له حالنا لتحكمنا طغمة من المتسلقين والمتشبثين بأي شيء، بما فيها "القبيلة"، وبسبب سياسات الدولة إقتتل مئات الآلاف من السودانيين في جنوب السودان، دارفور، جبال النوبة والنيل الأزرق؛ البعض يرجح ان الخلاف الدائر مبني على الصراع التاريخي بين المؤسسة العسكرية والمدنيين الإسلاميين في النظام الحاكم، وكثير من الأقاويل والتحليلات التي ترد هنا وهناك. على اي حال، تظل هذه الصراعات شأنهم داخلي ، ولا يعني الشعب السوداني مباشرة، صراع متصل بإدارة فسادهم، في الوصول والثبات في / وإلى السلطة، لم ولن يكن الشعب طرف في أجندته وطبيعته. لسنا في موقف الشامت لإعتقاله، ولعله لن يتعرض للتعذيب مثله وما فعله برفاقنا وزملائنا في العمل العام في السجون وبيوت الأشباح منذ مجيء الإنقلاب وتقلده المناصب فيه وغيره، إذ أنه من ذات الحوش (حوش المؤتمر الوطني) وخازن أسراره القذره. لنا أن نتساءل كما يتساءل الناس، هل سيحرم صلاح قوش من وجبته "الدسمة" في مكان وجوده، هل سيأكل ما أكله رفاقنا من طعام مخلوط ب"الديدان الحيه"، هل سيفترش الأرض دون أن يعلم بمكان تواجده في تلك اللحظات، هل سيُحرم من الورقة والقلم التي حُرم منها جميع المعتقلين والمعتقلات، هل سيفقد سمعه كما أفقد البعض، أوقدمه من اثر الضرب والتعذيب، هل سيُكوى جسده كما كوى قلوب الملايين، وأقدام وأيادي أبناء وبنات شعبنا، هل سيغتصب كمئات من نساء بلادي، وصديقاتنا أمثال الناجية من الموت، البطلة صفية اسحق، هل سيموت تحت تأثير التعذيب كما قتل علي فضل، عبد المنعم سلمان، عبد المنعم رحمة، طارق محمد إبراهيم، بشير الطيب، سليم أبو بكر، التاية أبو عاقلة، محمد عبد السلام، ومحمد موسى بحر أسئلة للنقاش.... على وجه التأكيد، لا تسودنا حالة الشماته جراء لمافعله ال "قوش"، ولكنها "الحيره" مصدرها ما جاء في الأخبار الرسمية والإجتماعية عن تقلد/ إستعداد الأستاذ المحامي "نبيل أديب" أن يكون في رئاسة هيئة الدفاع عن ذلك المدعو " قوش"، ربما كان الخبر بمثابة إشاعة، لكنه/ وبلا شك، مدهش إذا صح. مكمن الكارثة ليس فقط في إرتباط إسم وتاريخ وسمعة ال "قوش" بأبشع الجرائم التي أرتكبت طوال فترة رئاسته لجهاز الأمن "سيء الصيت" وحسب، بل لإختلال معايير العدالة لدى الكثيرين منا، فلسنا - بأي حال من الأحوال - ضد تقديم الرجل لمحاكمة عادلة تتوفر له فيها كافة الوسائل القانونية للدفاع عنه، ومواجهة اي إدعاءات ضده، ولكن فليُقدَّم ل "محاكمة في موقف أو قضية عادلة" يواجه فيه جميع التهم المرتبطة بجرائمة والتي بلا شك جرائم النظام، حينها يأخذ القانون مجراه، ليصطف المحامون في الجانبين، بحضور الإدعاء، وأولياء الدماء، وضحايا التعذيب، والناجون منه، في تلك اللحظات فقط يستقيم القول أن القانون يأخذ مجراه . العدالة لا تتجزأ، الأستاذ نبيل أديب "سيد العارفين" بذلك، إذ أدركنا في مجال القانون والمحاماة بتاريخيهما السياسي والإجتماعي، فلا يستقيم الدفاع عن شخص لم يحاسب، ولا نظامه على إرتكاب جرائم "عامة" بحق الشعب السوداني، الأولى أن تتم محاكمات على تعذيب المئات، وليحاكم على تعذيبه المئات من أبناء دارفور، وعلى إعتقال وتعذيب وحرمان الطلاب من مزاولة تعليمهم إبان تواجدهم كمعتقلين داخل بيوت اشباحهم المشؤومة، وعلى إغتصاب النساء في دارفور بدعاوى الأمن والنقاء العرقي، وعلى إغتيال المتظاهرين في بورتسودان وكجبار وعلى إغتيال الآلاف هنا وهناك. عندما يمثل مجرمي النظام في المحاكمات المرجوه - بالطريقة الصحيحة - لما ارتكبوه من جرائم، حينها سنرفع صوتنا عالياً بأن "تتوفر لهم محاكمة علنية وعادلة"، لكن سوى ذلك، فلا هي بعدالة، ولا بمحاكمة طبيعية، بل مجرد "مسرحية للجلادين" لا يتزن فيها ميزان العدل الذي ظل معوجاً طوال ثلاث وعشرون عاماً ضاق فيها شعبنا الأمرين.