[email protected] بيت متواضع بنى من اللبن او الطين امامه شجيرات نيم يروق للعم حامد ان يتمدد على عنقريبه تحت ظلها الوارف مسترخيا ينعشه الهمبريب... ليخفف عناء نهارات عمله من التعب المتسلل الى جسده النحيل قد يسمع القادم صوت شخيره كمعزوفة اغتية متقطعة الايقاع... فهو يحمل كل يوم على ظهره اغراض الزبائن من عربته او يرفعها اليها فى مكابدة ولكن يقويه الصبر والجلد وقد علمه الزمن قوة التحمل من اجل لقمة عيش شريفة يقتسمها بسعادة وغبطة مع اولاده الثلاثة وزوجته علوية... رغم دخوله كلية الطب بجدارة يسعد ابنه نادر ان يقود عربة الكارو يقضى طلبات الزبائن يساعد والده فى شموخ واعتزاز... والعم حامد يؤمن بحكمته البسيطة ان السعادة فى مودة يشتم عبيرها الزاكى من الانس مع احبابه واولاده وبؤمن ايضا ان الكفن لاجيوب له انما رضا الرحمن افضل واهم عنده من ملايين تدخل عليه بالشقاء الابدى.... عربة الكارو التى تقف كالمعتاد عند الظهيرة اما م الباب الخشبى الموارب او كما تعود العم حامد ان يتركها كانه يفاخر بانه يطعم اهل بيته من عرق جبينه فهو يرى ان الرجل الحقيقى هو من لا يقذف فى جوفه لقمة حرام وهو يفهم تماما ان طريق الكسب من العمل بعربة الكارو شاق ولكنه قد تمكن من ايجاد اللذة فى الكدح والاحساس بالعطاء...يربط حماره الداراوى على جذع شجرة قديم فى الركن الامامى من بيته تاركا معه ربطة من البرسيم الاخضر بمضغها حماره بشهية واستمتاع .. انه المبروك كما يحب ان يسميه العم حامد.... سكن العم حامد فى حى عريق تطاول بعض من حوله فى البنيان تعملقت بنايات كانت قبيل فترة بيوت تفتقر الى ابسط المقومات ثم تكدست الاموال فى ايدهم وجرت فى من بينهم الملايين... فاصبح جار العم حامد ينظر الىه والى بيته من عل... عبر البلكونات الى ذلك المبنى الطينى البسيط وقد نسوا ان بيوتهم كانت بالامس القريب مثل بيت العم حامد فسبحان من يغير ولايتغير...و لم يستحى يوم احد جيرانه عندما طلب منه ان يبيع له البيت قائلا : لو تبيع لى بيتك دا ياحامد سوف اهده تماما يعنى باعتبار انى اشتريت منك قطعة ارض فاضية ايه رايك فى مليون جنيه ياحامد؟؟؟ الا ان العم حامد غضب غضبا شديد واعتبرها اهانة من هذا المليونير الذى كان قبل سنوات يتسلف منه -اى من العم حامد- فدخل هذا الانتهازى الى ابواب الثراء عبرنفاجات الحكومة المفتوحة لامثاله فاصبح بين عشية وضحاها من اكابر الاثرياء اما عن الكيفية فلا تسأل واذا عرف السبب بطل العجب- او هكذا هو حالنا.... ... ثم مالبث ان اصبح بيت هذا الانتهازى عمارة شاهقة وهو يطمع فى المزيد... ليذدرى من حوله فى استعلاء وعنجهية بلهاء.... كانما هو الخالد على وجه البسيطة الفانية... اعجبته فخامته قاستصغر غيره وتمادى...كان دائما يردد ياخ بيت حامد دا شوه المكان لازم نشوف لينا طريقة نشيلو من هنا.... اما العم حامد فكان حاله كالنسر فى القمم الشماء دائما لا ينحنى امام العواصف بل يعالج فلسه بالصبر ويستمد قوته وسعادته اليسيطة... من نجاح اولاده رغم دخله المحدود ... وصعوبة المشاوير الشائكة فى بلد اذا سرق (الانتهازى) فيها تركوه او.... ربما اكرموه وتمضى الايام بما تحمله من غيبيات غيرمتوقعة....حال الدنيا التى لا تعرف السير على خطوط مستقيمة .... يظل العم حامد فى نزاع مع... جاره عوض الانتهازى ولم يكل حماره المبروك من جر عربة الكارو يوميا فى كفاح مع صاحبه الذى يكابد يومه من قبل طلوع الفجر فى مشاوير طويلة مرهقة، فى بلد كشرت بانيابها ... فضاقت بما رحبت على من فيها ....ولكن لا يستسلم الى التكاسل امثال العم حامد.... نعم ان البعض يسعده الاخذ او الاستلاب... ولكن العم حامد يستلذ بالعطاء وايثار الغير بما فى يده..... المرض لا يعرف الزمان ...ولا يختار المكان... ولايستئذن انسان .... بدون مقدمات مرضت زوجة العم حامد، مرضا اقعدها عن الحركة.... فاصبحت شغله الشاغل فهى الحبيبة التى طالما ساندته وازرته.... ووقفت معه فى احلك الظروف ... بل كانت له مصدر القوة والتوازن على امتداد سنوات العمر المكلل بالكفاح ... الدواء على ندرته لم يصبح ثمنه فى متناول الايدى... فشركات التامين، رغم ادعاءاتها اصبحت ترفع يدها من دعم العلاج بطريقة مباشرة او غير مباشرة... فانت مطلوبهم ومحبوبهم حين تمد لهم اليد بالمال للتأمين، وعدوهم اللدود اذا رمتك الاقدار بالمرض الى طلب حق مشروع.... هكذا قابلت شركة التامين الصحى.... العم حامد حين دفع به مرض زوجته علوية الي مايسمى بالتأمين ...وهو الذى كان ملتزما بسداد ماعليه شهريا.... انهك المرض علوية ومع اشتداد علتها سكن الخوف قلب العم حامد، ان يفقد شريكة حياته وام عياله ،ولم يكن ابنائهم الا ثمرات الخير... التى نضجت فى تلك الشجرة الطيبة.... فتماسكوا وتولوا رعاية ام اقعدها المرض واب حاصره الهم والاعياء .... وكما تولى ايمن... واخوه اسعد الطالب فى كلية الهندسة قيادة عربة الكارو بالتناوب سعيا وراء طلب الرزق ... تولى امجد اخوهم الاصغر العناية بوالدته..... وقد يصدق المثل القائل... مصائب قوم عند قوم فوائد، الجار عوض ينتهز الظروف التى احاطت بحامد واسرته ويقدم عروضه الابتزازية طمعا فى شراء البيت، يحاول ان يلتف حول حامد عبر اولاده مشجعا لهم بان قبول والدهم لهذا الصفقة، سيجعل منهم الاثرياء.... ويمكنهم ان يحققوا كثير من الطموحات... ويرفض الابناء بشدة وبالاجماع هذه الصفقة ، فان مشيئة والدهم كانت عندهم اغلى من.. الاحلام واعز من كل الامال.... والحقيقة التى لاخلاف فيها ان المال ساحر وجذاب،فقد اصبح الوقود و والدينمو المحرك الذى بدونه تتوقف حركة الامانى... وتموت ازهار الاحلام ولا تدور عجلة الحياة الا عبر ضخه اوامتلاكه.... ولكن يعز على امثال العم حامد ان يفرط فى مسقط راسه ، وتراب اجداده لقاء جنيهات معدودة... فالمال قد ياتى ويذهب وياتى غيره ولكن بيته هو تاريخه ... فان العم حامد لم يكن ينظر الى بيته البسيط من خلال المال، ولكن كان ينظر للحياة من خلال الوطن، فقد كان البيت عنده هو كيانه الحقيقى... فاذا فرط فى شىء من كيانه فقد فرط فى كل شىء،او هكذا كانت نظرته وعقيدته التى رسخها فى افئدة اولاده ... كتب لزوجته علوية الشفاء.. والعمر الجديد فبدت تعود الى سابق عهدها . من الحيوية والعافية... والنشاط وجرى دم الحياة فى شرايين بيت العم حامد من جديد وتالقت سعادة مكنونها حياة راس المال فيها ...محبة وتماسك ووئام... وكما يرزق الله سبحانه الطير حين تغدوا فى الصباحات، خماصا جائعة خاوية البطون وتعود الى اعشاشها ..وهى قد اخذت كفايتها من الطعام بدون عمليات حسابية... كانت المفاجاة .. والدهشة ...التى تنتظر العم حامد صاحب الكارو من غير موعد ... فقد وصلته فى ذلك اليوم الذى لا ينسى ...رسالة من البنك مفادها ان قريبه الذى هاجر الى دولة اروبية ...منذ زمن بعيد قد توفى... وقد اوصى له بكل ثروته ،والتى بلغت اكثر من مليون دولار.....وتمضى الايام... وليس غريبا فقد تغير شكل بيت العم حامد المتهالك ، الى منزل انيق، وتبدلت كثير من الشكليات فى بيته بعد ان اعاد بناءه. ولكن لم يفرط العم حامد رغم الثروة الطائلة التى هبطت عليه، فى عربة الكارو القديمة ...فقد تركها امام باب المنزل الجديد كما اعتاد ان يتركها ... حتى لا ينسى ايام الكفاح والعرق... ولم يتنكر عم حامد لحماره المبروك، فمنحه معاشا اختياريا واحتفظ به يطعمه ويسقيه..وظلت اشجار النيم فى مكانها باسقة راسخة ... ولم تنزعه كثرة الاموال من قيمه التى لاتفارقه.... واصالته التى لا يتنازل عنها... فبقى معدنا نفيسا لايصدأ.... ولما ان بلغ الخبر جاره عوض كان من ضمن المهنئين بمقدم تلك الثروة، على العم حامد قائلا: الف مبروك ياسيد حامد على الملايين... ثم اردف قائلا : انا عندى ليك مشاريع استثمارية كبيرة جدا .. ياسيد حامد تقدر تكسب ...وتضاعف ليك ثروتك اكثر ....يعنى ممكن ... قاطعه العم حامد بكل هدوء وادب.. شكرا ليك يا عوض ... ماقصرت ... ثم ابتسم حامد ابتسامة قد احتواها...الرضا ...والشكر لله رب العالمين.... .