ام الحيران لطالما أدهشتني أم الحيران وهي إمرأه بلغت من العمر خفوتا لكنها لم تستسلم زوجها أقعدته قلة حيلته وحصار السياسات الاقتصاديه الرعناء كما كان يندس في طيات الغبن المتداول قائلا كلما تعرض لوميض متسائل من غرباء علي المنطقه أم الحيران تبدو لي اطول من نخله لم أراها لكني اتوق ( للصنقعه ) حتي أتمكن من الإلمام بآخر ضفيره منها في طور الإنبات ومنذ نعومة أظافري كنت أنظر إليها علي أنها إمرأه تقبع في نقطه بين أمي وأبي أو بين نساء الفريق وبين رجال الفريق فهي تظل طوال النهار خارج بيتها الذي بالكاد يخفي تلاطم أمواج ضيق ذات اليد تعمل في الحقول كما الثور الأصيل كما كان يقول عنها جارنا عثمان السنجك الذي أشتهر بدقة مقارناته وهو رجل حاذق في تشبيهاته لدرجه أن بعضن الجيران كانوا يهادونونه طمعا في شراء إنصرافه عنهم ورغم أنهم أي الجيران كانوا يخشون ( عين ) عثمان السنجك ويرجعون كثير من الامراض المستوطنه بين الأزقه وكثير من الفشل لعينه تلك ألا أن سلاح الدمار الشامل هذا لم يفلح كما يبدو في دك حصون أم الحيران في صبانا الباكر كنا نراها من اطراف الحقول تداعب النبتات الصغيرات ( بملود ) شاهق كما الجبال التي تحاصر مخيلتنا خارج حدود المعرفه المتاحه لنا ولم نلبث ان تقدمنا في العمر وصرنا نري ( ملودها ) ذاك أقصر مما كنا نعتقد وأم الحيران إمراه قوية الشكيمه طموحه فيما يخص أبنائها لم تنصاع لنداء الأنثي كثيرا وانما ( كربت ) وسطها وإستجابت لنداء يتعدي ذاتها ولذلك كنا ورغم عودتها المتأخره من الحقول نشتم بعد صلاة الفجر بقليل رائحة ( الزلابيه ) وهذا نشاط تمارسه باكرا قبل شد الرحال إلي الحقول كثيرا ماكنا نراها في طريقها للحقول وعلي ظهرها طفل مربوط بعنايه فائقه يطل من جراب صغير علي العالم مشدوها دفعت بكل أولادها لأقصي احلامها التي إتضح انها فسيحه كما الحقول التي تتاخم منطقتنا ثم بدأت حركتها تهدأ تدريجيا عندما تقدمت في السن وبدأت ثمار جهودها تتساقط في ( عبها ) المفتوح بلاإطارات محدده وتحول البيت الغير مكتمل التسوير إلي منزل ضخم شاهق الجدران وام الحيران لم تعترض علي شئ بل بدت في كثير من الأحيان خارج نطاق الصراعات الدائره حولها إلي أن إعتقلوا آخر أبنائها بعد خروجه في جوقة هتاف حانق إذ بدأ فصل جديد في حياة المرأه الثور كما سماها عثمان السنجك خرجت من منزلها وكادت أن تصطدم بي قالت لي وهي تتفرس بشكل غريب في وجهي - ياود الخليفه انت الاولاد البمسكوهم ديل بودوهم وين الإجابه كانت لاتحتمل المواربه كما بدا واضحا علي ملامح جارتي الصلده - والله ياحاجه أنا سمعت أنو ولدك وبعض اولاد الجيران موجودين في مبني تابع للحكومه مابيعد من هنا - كويس إنتظرني هنا بجيك هسي دخلت منزلها ( كالعصار ) رغم سنها عادت وهي تحمل ( ملودها ) اصابتني الدهشه ماذا ستفعل بهذا ( الملود) المهترئ ولكني لم أجروء علي مناقشتها وفي الطريق صادفنا سعيد المكوجي الذي يمت لها بصلة قرابه سمع الحكايه منها فإنضم إلينا دون تردد وعندما إقتربنا من المدرسه صادفنا بعض المعلمين والمعلمات استوقفونا عندما قراوا علامات الحنق علي أم الحيران ثم أنضموا إلينا عدا مدرس كهل ينبت الشعر علي وجهه بكثافه إذ خاطب أم الحيران بتعالي قائلا - ياجاجه انتو اولادكم ديل بتربوهم كيف , مابتعلموهم يبتعدوا عن المشاكل ويقروا قرايتهم , وأنتي هسي ماشه تعملي شنو ماعندك راجل في البيت وهنا فهمت لماذا كان تحمل (الملود )إذ قلبته بسرعه في يدها وضربت المدرس علي وجهه بالجزء الحديدي سال الدم علي وجهه وفي الحال التف الناس حولنا ولم يمضي الكثير من الوقت إلا وكنا نتدافع نحو المبني الحكومي بالعشرات نهتف دون وجل -فكوا دربنا فكوا دربنا وجعتوا قلبنا وجعتوا قلبنا