الوضع الراهن الذي تمر به البلاد من تحديات الهجرة الطبية وهي تفتقد لكفاءاتها من الأطباء والكوادر الصحية وتشير الإحصائيات إلي ان أكثر من نصف الأطباء السودانيين يعملون بالخارج وأكثر الدول استقبالا لهم السعودية وبريطانيا ودول الخليج الأخرى وايرلندا وليبيا ، حيث هاجر خلال الفترة من2009-2012م أكثر من 6 الف طبيب إلي السعودية ، وفي العام 2012م تم إستيعاب حوالي 950 من الأطباء والكوادر الصحية للعمل بليبيا عقب الثورة الليبية ، كما زادت معدلات الهجرة وسط الطبيبات والكوادر الصحية. واستعرض د. الشيخ الصديق بدر بالمرصد القومي للموارد البشرية الصحية في تقرير له قدمه في ورشة هجرة الكفاءات العلمية، العوامل التى تؤدي للهجرة والمتمثلة في تدني المرتبات وضعف العائد المالي من الوظيفة وضعف فرص التدريب والتطوير المهني ومعايير الجودة والتطلعات المهنية، بجانب إشكالات بيئة العمل من حيث المكان والمعدات والوسائل والمرافق المطلوبة للكادر الطبي والصحي الجديدة .وقال التقرير ان الدول المستقبلة للهجرة بها عوامل الجذب حيث تتوفر مزايا أساسية علي رأسها العائد المالي المجزي من الوظيفة وفرص التدريب والتطوير المهني عالية الجودة وتوفير بيئة العمل المتكاملة والتي تعين علي الممارسة الطبية الجيدة والحصول علي نتائج ايجابية في علاج المرضي إضافة إلي توفر المناخ المعيشي والحياتي المنظم وتوفر وسائل الحياة العصرية للأسر.والي جانب هذه العوامل أورد عوامل أخرى لها تأثير في تسهيل وتسريع وكثرة الهجرة وهي توسع الحاجة الأفقية والراسية لمزيد من الكفاءات وذلك في منظومة الرعاية الصحية بالدول المستقبلة وظهور نمط جديد لهجرة كوادر التمويل، والنشاط المتزايد لوكالات استقدام العمالة والتي تزايدت في البلاد مؤخرا ووجود الشبكات الاجتماعية والمهنية للمهاجرين السودانيين بالخارج والتي تقدم بعض التسهيلات لاستيعاب قادمين جدد. وحول الآثار الايجابية أهمها العوائد المالية علي الدولة والأسر واكتساب المهاجرين مؤهلات وكفاءات مهنية وعلمية بجانبمفيدة لبلادهم عند العودة ، وتحريك مساعدات وتقانات طبية وصحية للبلد عبر نشاط الشبكات المهنية والاجتماعية من السودانيين بالخارج وذلك في شكل قوافل وزيارات ، واكتساب أسواق جديدة للسودانيين تساعد في معالجة ظواهر البطالة والاستيعاب غير الرشيد للموارد البشرية والصحية. اما الآثار السالبة فقال التقرير ان دراسة عالمية توضح ان السودان من الدول المصنفة التي تعاني من نقص المهن الصحية حيث فقدان البلاد لاستثمار مالي مقدر متمثل في الصرف علي تعليم وتأهيل الأطباء والأطر الصحية المهاجرة والأثر السالب علي تغطية وجود الخدمات الصحية ويبرز هذا الجانب بفقدان ذوي الخبرة خاصة من العاملين في الولايات والمناطق الريفية وتم استيعابهم للعمل في السعودية والتي تشترط الخبرة كأساس للمفاضلة بين المتقدمين وفقدان عدد مقدر من الأطباء الاختصاصين بالولايات ، إضافة الي تأثير الهجرة السالب علي طاقة وكفاءات المؤسسات التعليمية والتدريبية بسبب فقدان الكفاءات من الأساتذة والمدربين وضعف الطاقة الاستيعابية لكليات التمريض خاصة في الدراسات العليا والأثر السالب علي التخصصات الطبية. وهنالك إفرازات سالبة للهجرة علي الكفاءات المهاجرة نفسها وهي استغلال وكالات الاستقدام وسماسرة التوظيف للأطباء والأطر الصحية وذلك عن طريق فرص الرسوم العالية والطرق غير القانونية وإجراء المعينات بشكل غير لائق يؤدي الي تزاحم طالبي الوظائف من الكفاءات والعلماء في بيئات غير ملائمة ، حيث يتم التوظيف والاستخدام في مواقع ومهام اقل من المؤهلات والخبرة من المؤسسات الصحية بدول المهجر .كما ان هنالك بعض مظاهر فقدان الحقوق والمضايقات للمهاجرين في الدول المستقبلة. وارد التقرير ان ما تم من معالجات خلال الفترة السابقة لم تكن هنالك محاولات جادة ومنظمة لتحسين أوضاع وبيئة العمل من أجل الاستبقاء الكفاءات السودانية علي مستوى البلاد غير ان بعض المؤسسات والقطاع الخاص عمل علي جذب الكفاءات السودانية بالخارج ، بجانب تبني جهد يستوعب إسهامات الكفاءات السودانية بالخارج لدعم الرعاية الصحية بالبلاد من خلال الزيارات الأكاديمية والقوافل الصحية وتحريك الدعم اللوجستي والتقني وتسهيل اتفاقيات التعاون مع بلدان المهجر نتجت عن ذلك فوائد في التحسين النوعي للرعاية الصحية والتعليم الطبي وإدخال تقانات جديدة ودعم لإمكانات المؤسسات الصحية فهنالك العديد من الروابط والشبكات المهنية والاجتماعية للعاملين بالخارج أسهمت في ذلك . وهنالك بعض المحالات المحدودة لعودة الكفاءات الطبية بشكل نهائي للبلاد واستقطاب كفاءات طبية من دول أخرى لتعويض فاقد هجرة الكفاءات السودانية ولسد النقص في الخدمات الضرورية , فهجرة المجالات كلها أحدثت بعض الفوائد ولكن عائدها الايجابي لم يكن كبيرا. وقدم التقرير عدة اقتراحات لينتهج السودان سياسة قومية تقوم علي إدارة وتنظيم هجرة الأطباء والكوادر الصحية وذلك من خلال ثلاثة ابعاد تتمثل في تحسين استبقاء الكفاءات وتوجيه وتنظيم الهجرة واستقطاب خبرات وإسهامات الكفاءات المهاجرة. فالاتجاه نحو تحسين أوضاع وبيئة العمل بشكل عام وذلك بما يضمن استمرار ورضاء الأطباء والكوادر الصحية بجانب تبني الدولة والقطاع الخاص حزم تشجعيه وتحضيرية للعمل في المؤسسات الصحية بالريف والمناطق النائية، والمراكز والخدمات التخصصية في المجالات النادرة ،و العمل علي استبقاء أستاذة الجامعات خاصة في المجالات الحيوية النادرة. وحول توجيه وتنظيم الهجرة قال التقرير انه يجب توفير المعلومات عن أسواق العمالة بالخارج وتقديم المشورة لمن يرغبون في الهجرة واعتماد نظام الإعارة لإعطاء الكادر فرصة الهجرة بزمن محدد يعود بعدة لوضعه الوظيفي حاملا التأهيل والخبرة ، وتوجه الدولة نحو عقد مذكرات تفاهم والاتفاقات الثنائية مع الدول المستقبلة ومنع او تنظيم عمل وكالات استقدام العمالة وذلك لحماية طالبي الهجرة من الابتزاز والممارسات غير القانونية وضياع الحقوق. إضافة الي تشجيع ودعم البحوث والدراسات لرصد الهجرة واتجاهات لتوجيه السياسات واتخاذ القرار وفق المعطيات والمتغيرات. واضاف التقرير يجب ان يتم استقطاب الكفاءات والخبرات السودانية بالخارج وفق برنامج يقوم علي تشجيع العودة النهائية في المجالات الحيوية بالعمل علي جذبها وتحسين شروط وبيئة العمل في مجالات تخصص هذه الكفاءات والتي غالبا ما يكون البلاد في أمس الحاجة لها ويدخل مناخ الاستثمار الجاذب ودعم مجهودات مؤسسات القطاع الخاص، بجانب دعم وتقوية الشبكات الاجتماعية والمهنية للكفاءات بالخارج وتقوية التواصل وبرامج الربط بين الأطباء والكوادر الصحية بالداخل والخارج واعتماد السياسات والإجراءات الاقتصادية الملائمة لاستقطاب التحويلات المالية للأطباء والكوادر لصحية ضمن منظومة السودانيين العاملين بالخارج وذلك لمصلحة الاقتصاد القومي والبلاد. ن ف