الانتخاب على أساس التمثيل النسبي يعني للعديد من الأحزاب السودانية التي ستشارك في انتخابات 2015، بداية الوعي الاجتماعي والسياسي للسودانيين، ويرونه طوق الخلاص لمآزقهم في المشاركة السياسية من جهة وسلامة ممارستها من الفساد في الوقت نفسه. ووفقا لما أعلنته المفوضية القومية للانتخابات فإن اثنين وعشرين حزبا من أصل أربعة وأربعين حزبا مشاركا في الانتخابات، لديهم مرشحين على أساس التمثيل النسبي، حيث سيختار الناخبون السودانيون وللمرة الثانية ممثليهم في المجلس الوطني على هذا الأساس، ضمن الانتخابات العامة المقررة في أبريل 2015م . والانتخاب بالقائمة النسبية يعني أن يتم تقليص عدد الدوائر الانتخابية الجغرافية ويختار الناخب قائمة حزبية تتضمن عددا من المرشحين عن دائرة واحدة والقائمة التي تحصل علي أغلبية الأصوات لا تحصل علي كافه المقاعد لهذه الدائرة وإنما عدد من المقاعد يتناسب مع ما تحصل عليه من أصوات. وقد عدل المجلس الوطني منتصف العام المنصرم 2014 ، قانون الانتخابات للعام 2008 الذي تم بموجبه قيام الانتخابات السابقة أبريل 2010 والتي أدت إلى انفصال جنوب السودان وتأسيسه لدولته.كما شهدت أول إنتخابات علي أساس التمثيل النسبي في تاريخ السودان . وبحسب التعديل الجديد فأن نسبة التمثيل النسبي في هذه الانتخابات ارتفعت إلى 50% بدلاًعن 40% كما في القانون السابق، حيث تمت زيادة نسبته للمرأة من 25% إلى 30% وزيادته للقوائم الحزبية القومية من 15% إلى 20% من مقاعد المجلس الوطني ،أي أن عدد النساء سيرتفع من 113 إلى 128 إمرأة ومقاعد الأحزاب من 67 إلى 85 مقعداً. وتعني الزيادة في هذه النسب تقليص الانتخاب الفردي في الدوائر الجغرافية من 60% إلى 50% اي تقليل عدد مقاعد الدوائر الجغرافية من 250 إلى 213 مقعدا، مما يعني ان جملة مقاعد المجلس الوطني صارت 426 بدلا عن 450 مقعداً . رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح الوطني ووكيل الحزب، خير الله محمد بلل قال (لسونا) إن الانتخاب على أساس التمثيل النسبي لا يعني فقط مشاركة أكبر عدد من الأحزاب في المجلس الوطني، بل الأهم أنه يعني أن تتاح الفرصة للناخبين للتصويت على أساس برنامج وخطة الحزب وليس على أساس أختيار الأفراد، أي أن الناخبين سيختارون البرنامج الذي يلبي مصالحهم وتطلعاتهم لحياتهم المستقبلية وليس الأشخاص الذين يعرفونهم. وبحسب رأيه فأن الاختيار بهذ الكيفية سيخلص الممارسة السياسية من كثير من "الشوائب"التي تفسدها مثل المحاباة والعلاقات الفردية والعصبية والقبلية والجهوية والمصالح الشخصية والصرف البزخي للأموال. واستبشر خير الله بلل، أن يكون أثر هذا النظام في هذه الانتخابات موجباً وأكبر على الحياة العامة السياسية وأن يقلل من الصراع والأزمات السياسية والتشاحن والغلظة التي يتسم بها السلوك العام السياسي في البلاد قائلاً هناك اثنان وعشرون حزبا سيشاركون في الانتخابات المقبلة فيما اقتصرت المنافسة السابقة على المؤتمر الوطني . ووأبان أنه لم يكن التمثيل النسبي مفيدا سابقا لأنه كان في أطار وداخل المؤتمر الوطني ، وقد أدى إلى أن يكون أداة شق على الرغم من حصول المؤتمر الوطنى على 95% من مقاعد البرلمان، حيث تصارع المؤتمر الوطني داخل نفسه من أجل الإصلاح. وأضاف أن التعديل الذي أدى إلى إلغاء ضرورة الحصول على نسبة 4% المؤهلة للفوز و للمشاركة، والاستعاضة عنها بمقياس قوة الصوت ، سيضمن فوز ودخول الكثير من الاحزاب إلى البرلمان. وكيل حزب العدالة د. عباس إدريس وصف الانتخاب على أساس التمثيل النسبي بأنه "حل حقيقي"لمشاكل السودان السياسية وقال (لسونا)إن إختياره والتوسع فيه يعني أن السياسة السودانية قد "سارت فى الطريق الصحيح"، واستجابت للمتغيرات الكثيرة التي طرأت على المجتمع السوداني حيث نشأ جيل جديد وبرزت قضايا جديدة وتداخلات عالمية متشعبة وجاءت أحزاب صغيرة تريد أن تعبر عن رؤاها بطرق ديمقراطية سليمة . وذكر أن الانتخاب الجغرافي الفردي لم يمارس بالطريقة السليمة ولم يكن خيارا سياسيا موفقا ومقبولا من الجميع في المجتمع السوداني المعقد التركيب وقد أبرز وعمق اعتماده وحده في تجارب الديمقراطية السابقة، من قضايا الظلم السياسي إذ لم يجد أولئك الذين لديهم مشكلات ، فرصة للتعبير عن أنفسهم داخل المجالس التشريعية فلجأوا للتعبير بعنف وغلظة. وأكد أن التعديلات التي أدخلت على مسائل التمثيل النسبي ورفع نسبته ستقوي من المشاركة السياسية ويبقى على الجميع قبول الآخر على علاته بعد ذلك. المحامي السياسي بروفسيور إسماعيل الحاج موسى يقول /لسونا/ إن الميزة الاساسية للتمثيل النسبي تتمحور حول توسيع المشاركة السياسية في العمل العام حيث يعطي الاحزاب الصغيرة التي لا تشكل أغلبية ولديها مصالح وحقوق وترغب في العمل العام، فرصصة أن تشارك وتفوز وتسمع صوتها للجميع. ويضيف أن التمثيل الجغرافي يأتي بحزب واحد أو أحزاب كبيرة فيما الكيانات السياسية الصغيرة لا تجد طريقها للبرلمان والحكم وهذه معضلة. ويذكر أن التمثيل النسبي يساهم أيضا من الوجود النوعي في المجلس الوطني حيث يكون هناك رجال ونساء. وقد ظهر ذلك جليا منذ بداية التجربة السابقة إذ بلغ عدد النساء 86 إمرأة قياساً على ثلاث نساء فقط في الانتخابات الاسبق وسيترفع عددهن الى 128 أمرأة في انتخابات 2015 . ويشير إلى أن أثر هذا التمثيل لم يكن في انتخابات 2010 بمستوى عام كبيرا في الحياة السياسية بسبب عدم مشاركة الأحزاب فيها. وقد عرف السودان أول إنتخابات برلمانية في العام 1953 وشاركت فيها خمسة أحزاب سياسية كبيرة، وهي الحزب الوطني الإتحادي، حزب الأمة ، كتلة الجنوب الحزب الجمهوري الإشتراكي، الجبهة المعادية للإستعمار. وفاز فيها الوطني ب 50 مقعدا من أصل 97 وشكل حكومة منفردة . الإنتخابات البرلمانية الثانية بعدها بخمس سنوات جرت في 1958 وفاز فيها الأمة ب 63 مقعدا وحزب الشعب الديمقراطي علي 26 مقعدا والوطني الإتحادي علي 44 وحزب الأحرار الجنوبي 40 مقعدا . وشكلت تلك الانتخابات بداية لعهد الحكومات الإئتلافية في السودان حيث لم يحصل حزب واحد علي الأغلبية التي تؤهله لتشكيل حكومة منفردة. أما إنتخابات 1965 (الثالثة)فقد كانت أيضا حكرا على الأحزاب الكبيرة مثل الوطني الإتحادي والأمة والميثاق الإسلامي و الحزب الشيوعي السوداني ومؤتمر البجا . كما شارك في إنتخابات عام 1968 ( 22 ) حزبا سياسيا وتكتلا إقليميا ومن أهم تلك الأحزاب الإتحادي الديمقراطي ، الوطني الإتحادي ، الشعب الديمقراطي ، حزب الأمة ، حزب سانو ، جبهة الميثاق ، مؤتمر البجا، جبهة الجنوب. الإنتخابات الخامسة قامت في 1986 بعد حكم طويل للرئيس الأسبق جعفر نميري استمر طويلاً ولمدة ستة عشر عاما من 1969 وحتي 1985 وشاركت فيها جل الأحزاب الكبيرة، حزب الأمة ، الوطني الإتحادي الديمقراطي، الجبهة الإسلامية القومية ، الحزب القومي السوداني ، حزب البعث العربي الإشتراكي، المؤتمر السوداني الأفريقي و الشيوعي السوداني ولم يحصل أي حزب علي الأغلبية.