انطلقت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أعمال القمة العادية الثلاثين للاتحاد الأفريقي في الفترة من 22- 29 يناير الجاري؛ تحت شعار " الانتصار في مكافحة الفساد: مسار مستدام لإحداث التحول في أفريقيا". ويشارك السودان بوفد رفيع المستوى برئاسة المشير عمر البشير رئيس الجمهورية في القمة التى تعقد يومي 28-29 يناير الجاري، بينما يترأس البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية وفد السودان المشارك في اجتماعات المجلس الوزاري التى عقدت يومي 25-26 من الشهر نفسه. ويعتبر السودان دولة مؤسسة للاتحاد الأفريقي؛ ولذلك يتحتم عليه المشاركة في اتخاذ جميع القرارات التى تهم القارة، كما أنه يلعب دورا مهما في تعزيز جهود الاتحاد الأفريقي لإحلال السلم والأمن في القارة الأفريقية، بالإضافة إلى تمتعه بعلاقات جيدة مع جيرانه . وتأتي مشاركة الرئيس البشير في إطار حرص السودان على تدعيم علاقاته وتطويرها مع جميع الدول الأفريقية وتعزيز جهود آليات العمل الأفريقي المشترك لتحقق مصالح الشعوب الأفريقية. ومن المتوقع أن يلتقي الرئيس البشير ، على هامش القمة ، بعدد من رؤساء الدول الأفريقية ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية لمناقشة القضايا التى تهم القارة والأوضاع السياسية والأمنية. وتنعقد القمة الأفريقية العادية الثلاثين؛ في ظل تحديات جمة تواجه القارة؛ من بينها الأوضاع الاقتصادية الصعبة والنزاعات والتطرف والإرهاب والآثار المترتبة على تغيرات المناخ والهجرة غير الشرعية والفساد. ويشكل منع الفساد ومكافحته؛ محور أجندة القمة الثلاثين؛ خاصة بعد أن حددت القمة ال29 بأن يكون عام 2018م عاما لمنع الفساد ومكافحته. و لا شك أنّ الفساد ، بعد المشاكل الأمنية، يشكل أكثر الآفات التي تعوق الأعمال التنموية في القارة السّمراء ويعرقل الجهود الرامية للارتقاء بالحكم الديمقراطي والتحول الاجتماعي والاقتصادي والسلام والأمن وترسيخ حقوق الإنسان في الدول الأعضاء . وشهدت القارة نموا اقتصاديا واجتماعيا مضطردا خلال العقدين المنصرمين؛ ولكن الشعوب الأفريقية لم تستفد شيئا من ذلك؛ نظرا للآثار الناجمة عن الفساد. وكشف تقرير أعدته خطة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد) واللجنة الافتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر 2013 أن أفريقيا(أفقر قارات العالم) خسرت 900 مليار دولار من التدفقات المالية غير القانونية بين عامى 1970 و 2008. وشكلت العمليات التجارية للشركات المتعددة الجنسية نسبة 60 % من التدفقات غير القانونية، تليها الأنشطة الإجرامية مثل تجارة المخدرات والأسلحة والبشر بنسبة 35 %، بينما تشكل الرشوة والاختلاس النسبة المتبقية (5 %). وفى السياق ذاته؛ أصدر مركز«النزاهة المالية العالمية» الأمريكى تقريرا خاصا حول تهريب الثروات من القارة الإفريقية على مدى 38 عاما، ورجح التقرير أن يكون حجم الأموال المهربة من أفريقيا بطرق غير مشروعة؛ بلغ 1. 8 تريليون دولار والتى تفوق حجم المساعدات المالية المرصودة لتنمية القارة السمراء، وتخفيف حدة الفقر والجوع والأوبئة، وتفوق أيضا حجم مديونية القارة التى يعيش أكثر من 40 % من أبنائها تحت خط الفقر ، بينما أشارت رئيسة اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة؛ "فيرا سونغ وي" في كلمتها أمام اجتماع المجلس التنفيذي يوم الخميس؛ إلى أن القارة تفقد حوالي 148 مليار دولار بسبب الفساد وتسريب الأموال بطرق غير مشروعة، وهذا الرقم يمثل 25% من إجمالي الناتج الأفريقي. وأدركت افريقيا حجم الخطر الذي يشكّله الفساد؛ لهذا جعلت مكافحته محور قمتها الحالية. وكانت الدول الأعضاء في المنظمة القارية والمجموعات الاقتصادية والاتحاد الأفريقي قد تبنت عدة أدوات تنظيمية، وشكلت مؤسسات مختلفة لمنع الفساد ومكافحته؛ أبرزها اتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومكافحته في عام 2003م . كما تبنى الاتحاد الأفريقي أدوات أخرى تهدف الي ترسيخ ثقافة الديمقراطية وضمان الحكم الرشيد وسلطة القانون لتكمل اتفاقية 2003. ويرى الخبراء والمختصون أن أول خطوة في علاج الفساد هي الأخلاق؛ وترسيخ مفهومها في الحياة العامة والعمل على مكافحة الرشوة. وتشمل المبادئ التوجيهية لمكافحة الفساد رفع مستوى الوعي العام وتعزيز السلوك الأخلاقي، وضمان عمل منسق ضده؛ على الصعيدين الوطني والدولي مع تحقيق الاستقلال للقائمين على الرقابة والفصل في الفساد، واتخاذ التدابير المناسبة لضبط ومكافحة تلك الجرائم، وتعزيز الشّفافية في الإدارة العامة وحرية وسائل الإعلام لتلقي ونقل المعلومات بشأن قضايا الفساد وإقامة نظام شفّاف يقود الجميع للمساءلة حال ارتكاب أي خطأ بغض النظر عن مكانتهم السياسية أو غيرها من الاعتبارات وإغلاق الباب أمام الرشاوى. ويعمل الاتحاد الأفريقي عبر مجلسه الاستشاري حول مكافحة الفساد وبمشاركة هياكله والدول الأعضاء والمجموعات الاقتصادية الإقليمية ومنظمات المجتمع المدني على احتواء الفساد الذي عرقل تطور القارة وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية. وأكد رئيس مفوّضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد؛ في كلمته أمام اجتماع المندوبين الدائمين، أن اختيار « الانتصار على الفساد: مسار مستدام لإحداث التحول في افريقيا» شعارا للقمّة الأفريقية "لم يكن أمرا اعتباطيا أو دون مغزى؛ بل على العكس تماما أعطى إعلان عام 2018 عاماً أفريقيا لمكافحة الفساد، أجهزة صنع السياسات بالاتحاد الأفريقي دفعة قوية في جهودها الجماعية الرّامية إلى تحقيق أفريقيا آمنة وسلمية ".علاوة على ذلك؛ فإن الهدف الأساسي في أجندة 2063 من أجل التحول في أفريقيا يرمي إلى غرس ثقافة الحكم الرشيد والقيم الديمقراطية والمساواة بين الجنسين واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون، بينما تسعى الأهداف الأخرى للوصول إلى قارة سلمية خالية من الصّراعات والفساد. وقال موسى فكي إن "الفساد يشكل معضلة كبيرة بل كارثة الكوارث فهو يؤثّر على حياة الناس بصورة يومية؛ بدءاً بالطّرق سيّئة التشييد والغش في التّعمير وعدم المساواة في الحصول على الرّعاية الصحية والأدوية، ويؤدي إلى العنف والجريمة العابرة للحدود والخيارات السياسية المشوّهة بالأموال القذرة والجشع وغيرها من العلل والآفات الاجتماعية". ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في كلمته أمام اجتماع المندوبين الدائمين إلى تخليص القارة من عبء الفساد الذي يثقل كاهل الملايين من سكانها، مشيرا إلى أن عبء الفساد يطال الفئات الفقيرة والمهمشة في المجتمع على وجه التحديد. ودعا موسى الزعماء الأفارقة للالتزام بالتعاون القوي في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة. ويري الاتحاد الأفريقي أن التحدي المطروح يتمثل في الإلتزام بالمقاربات المؤسسية حول مكافحة الفساد وغيرها من تحديات الحكم من جهة وردم الفجوة بين تحديد المعايير واستيفائها من خلال إجراءات مناسبة على المستويات المحلية والوطنية والقارية من جهة أخرى. لكن من المهم الإشارة إلى أهمية أن لا تبقى مخرجات هذه القمّة حبرا على ورق؛ بل المطلوب إرادة فعلية لمحاربة هذه الآفة المدمّرة من خلال إنشاء وتفعيل الآليات اللاّزمة لمنع الفساد ومعاقبة المتسببين فيه وفي الجرائم المتصلة به، وتعزيز التّعاون وتسهيله بين الدول للقضاء عليه. وبعد مرور 15 عاما على تبني اتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومكافحته، يشكل " إعلان عام 2018 عاما لمكافحة الفساد"فرصة مناسبة لاحتواء هذه الآفة والبناء على التقدم المنجز وتقييم الاحتياجات والتفكيرفي استراتيجيات جديدة من شأنها معالجة تحديات الفساد الجديدة .