تقرير// أمل عبد الحميد الخرطوم-2-1-2020م(سونا)-أجازت الحكومة الانتقالية موازنة العام 2020م بعد نقاش مستفيض داخل أروقة مجلس الوزراء والتوافق على إرجاء مسألة الدعم إلى ما بعد مؤتمر اقتصادي جامع يعقد في مارس المقبل وسيتم التحضير له بعقد عدة مؤتمرات قطاعية خلال الفترة من يناير وحتى مارس 2020م . وتأتي إجازة الموازنة في ظل تحديات سياسية واقتصادية تواجهها الحكومة الانتقالية خارجيا بإستمرار اسم السودان بقائمة الدول الراعية للارهاب والعقوبات الاقتصادية وديون خارجية تبلغ 60 مليار دولار، وداخليا بارتفاع لمعدلات التضخم وتدني للإيرادات المالية وضعف الإنتاجية و إستمرار تهريب السلع والتهرب من توريد حصائل الصادرات والسياسات النقدية العشوائية التي أدت إلى هبوط قيمة العملة المحلية. بالرغُم من أن موازنة العام2020م جاءت بالعديد من البشريات بمضاعفتها للصرف على الصحة والتعليم ومجانيته وتوفير وجبة مدرسية للتلاميذ بالإضافة إلى مجانية العلاج بالمستشفيات الحكومية وزيادة المرتبات بنسبة 100% وتوفير 250 ألف وظيفة للشباب من الجنسين؛ إلا أن معالجة تركة الدعم السلعي وآثارها الماحقة على مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي كما وصفها منشور الموازنة يتطلب المزيد من الحوار المجتمعي للتوافق على رفع الدعم عن السلع. وفند منشور الموازنة مبررات رفع الدعم بأنه يفتقر إلى الفعالية وينحاز لغير الفقراء ولا يستهدف الفئات المستحقة ويؤثر على تثبيط الاستثمار في الطاقة ويتسبب في الإضرار بالنمو ومزاحمة الإنفاق الإنتاجي على رأس المال البشري ويقوض الإنتاج الزراعي والصناعي في عدد من القطاعات الحيوية، ولفتت الموازنة إلى أن الدعم السلعي يلتهم مبالغ ضخمة من الموازنات والناتج الإجمالي ويساعد في ظهور جماعات المافيا التجارية التي تقوم بتهريب السلع المدعومة إلى الدول المجاورة وتخزينها واحتكارها لبيعها لاحقا بأسعار عالية ويتم التمويل التضخمي لطباعة ما يعادل أكثر من 200 مليون دولار شهريا من العملة الوطنية لشراء الذهب وتصديره لدعم السلع الاستراتيجية مما أدى إلى فقدان السيطرة على الاقتصاد وانتقاله إلى حالة التضخم الإنفجاري والسقوط شبه الحر لسعر الصرف في السوق الموازي. وأشارت الموازنة إلى إيجابيات رفع الدعم الممثلة في السيطرة على التضخم واستقرار أسعار السلع ودعم القوة الشرائية للمواطنين وإطلاق الميزات النسبية للقطاع الخاص عن طريق الصادر وإنشاء بورصة الصادرات وتطوير سوق الخرطوم للأوراق المالية وتعظيم الصرف على القطاعات الإنتاجية. وكانت بعثة الصندوق الزائرة للخرطوم مؤخرا قد اصدرت بيان في ختام المشاورات التي عقدت مع الحكومة قالت فيه إن السودان بحاجة لاتخاذ قرارات وإصلاحات جريئة وشاملة، حتى يستقر الاقتصاد ويقوى النمو المتراجع في البلاد، معتبرة أن الأوضاع الاقتصادية لا تزال صعبة على خلفية استمرار العجز المالي والتضخم المرتفع وضعف فرص الحصول على التمويل، كما وضع الصندوق مقترحات للتخفيف من الأوضاع الحالية، منها "تحرير سعر الصرف، وتعبئة الإيرادات، والإلغاء التدريجي لدعم الوقود؛ وإجراء زيادة كبيرة في التحويلات الاجتماعية لتخفيف أثر التصحيح على المجموعات الضعيفة". توقعات عديدة ساقها الخبراء الاقتصاديين لواقع الاقتصاد السوداني عقب تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن السلع وتحرير سعر الصرف وأسعار السلع الاستراتيجية. الدكتور طه حسين الخبير الاقتصادي توقع انفلات أسعار السلع مضيفا بأن السوق تحكمه الشائعات أكثر من العرض والطلب مشيرا إلى أن رفع الدعم تحدي كبير للاقتصاد السوداني لتذبذب أسعار السلع وارتفاع معدلات التضخم في ظل ضعف الإيرادات. الدكتورة ماجدة مصطفى صادق الخبيرة الاقتصادية أكدت استجابة الحكومة لروشتة وطلبات البنك الدولى فيما يخص رفع الدعم عن المحروقات بدون النظر للآثار القاسية والقلق السياسي الذى سينتج عن ذلك وإمكانية العودة للمربع الأول من الاحتجاجات إن لم تكن الزيادة فى المرتبات طموحة وقادرة على امتصاص الزيادة فى الأسعار بسبب رفع الدعم مضيفة بتطلع الشعب إلى استعجال محاكمة الفاسدين من ساسة عهد الإنقاذ و رد الأموال والممتلكات التي نهبت. وأشارت إلى أن موازنة العام 2020م والتي تزامنت مع تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي عبرت عن المتاح من الموارد وحاولت التقليل من الغبن الذى أصاب المواطن من خلال برامج حماية اجتماعية لاترقى للمستوى الذى يحقق الرفاهية والخروج من دائرة الفقر العميقة لافتة إلى اعتماد الموازنة في مجملها وبنسبة 60 ٪ على التمويل الخارجي عبر المنح والقروض أي مصادر تمويل غير واقعية بالإضافة إلى التركيز في مجملها على الإيرادات التي تثقل كاهل المواطن برفع الدعم و التوسع فى المظلة الضريبي. وقال الدكتور أنور محمد أحمد علي خبير الاقتصاد الكلي إن رفع الدعم عن السلع في الوقت الراهن قرار خاطئ لم يستند على منهجية اقتصادية مشيراً إلى أن وضع القرار لم يصاحبه الافتراضات والتوقعات بتأثير تغيير حجم الدعم وسرعة انتقال الأثر على المواطنين، مضيفا بأن رفع دعم المحروقات سيدفع بأسعار كل المنتجات السلعية والخدمية نحو الارتفاع ليدور الاقتصاد حول حلقة تضخمية تصل إلى الأسوأ بما يعرف بالتضخم الركودي"." وأوضح أنور أن سياسة رفع الدعم تنم عن تطبيق روشتة البنك وصندوق النقد الدوليين للإصلاح الاقتصادي مستدركا بأن التطبيق يتم بشكل حرفي مما يخلف المشكلة المتجذرة في الهيكل الاقتصادي للنموذج غير المدروس، مبينا جدية اقتصاد السوق في ظل البحث عن نموذج سوداني لإدارة الاقتصاد وفقاً للمعطيات الواقعية وكيفية التعامل مع خصوصية مكوناته أي باختصار سودنة الاقتصاد من أجل تنمية متوازنة و مستدامة. وأشار إلى تجارب الدول التي نهضت والتي بدأت بدراسة واقعها وإمكانيات التعاطي معه بما يخدم مصالحها الداخلية وينمي علاقاتها الاقتصادية مع العالم لافتا إلى أن موازنة 2020م بدلا عن الخروج من نفق الازمة قد تدفع البلاد إلى المزيد من الأزمات، في ظل قلة للموارد وضعف تنموي وخروج هيكل إنتاجي عن مساره الصحيح وأضاف قائلا "بأن السودان لا يحتمل أي هزات اقتصادية وكان يمكن أن تكون هنالك معالجات أخرى في مقدمتها إصلاح الضريبة والأخذ بمنهج الضريبة التصاعدية وهو أكثر ملائمة وفعالية وعدالة لمجتمعاتنا". وطالب بضرورة إعادة النظر في سياسات الصادر والوارد الحالية بالعودة إلى التجارب في رواندا وأثيوبيا والهند وماليزيا. آثار إيجابية وأخرى سلبية متوقعة من رفع الدعم عن السلع القرار الذي لايزال في إنتظار الخطوة الأخيرة لتطبيقه عقب التشاور والتحاور حول تبعاته وإلى حين التوافق عليه تظل التحديات التي تواجه الاقتصاد ماثلة.