بين الأربعاء 27 أبريل والأربعاء 4 مايو، يكون ملف الخلاف والانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس قد انطوى، كأول ثمرة ناضجة تسقط في فضاء العلاقات العربية والفلسطينية-الفلسطينية، بفعل ربيع الثورات العربية، علاقات تبدّلت ومحاور اهتزت، بعد أن أصبح صوت الشعوب العربية هو أعلى الأصوات، وهم القضايا العربية المركزية هو الهم الشاغل. صحيح أن ما بين فتح وحماس من تباين في الرؤى والأفكار التي تحكم حركة كل منهما لن يختفي بين يوم وليلة، لكنه قطعاً سيتحول من تناقض بين الأعداء، إلى تناقض في صفوف الشعب، تحكمه مناهج التعدد والاجتهاد وليس أدوات الصراع العنيف المفضي إلى الحرب وتكسير العظام والانقلاب والانقسام الجغرافي والسياسي. فبين الأربعاء الماضي حين التقى في القاهرة وفدان فلسطينيان، وفد فتح الذي يقوده عزام الأحمد ووفد حماس الذي يقوده الدكتور موسى أبو مرزوق، وقعا من دون تردد على وثيقة المصالحة الفلسطينية بشكل مبدئي وأعلنا المضي في طريق المصالحة وموجباتها من دون تحفظ، ويوم الأربعاء القادم حينما يلتقي رئيس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية محمود عباس مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يكون ملف الخلافات الفلسطينية التي استعصت على كل حل وعلى كل الوساطات السعودية والقطرية والمصرية والجامعة العربية قد انطوى خلال أسبوع واحد، لأسباب موضوعية وبعد أن حانت اللحظة التاريخية المنتظرة والتي دفعت الطرفان عنوة إلى فعل ما لا بد من فعله، وهو الوحدة الوطنية الفلسطينية في وجه إسرائيل وحلفائها. انزعجت إسرائيل، كما لم تنزعج من قبل، فجاءت تصريحات مسؤوليها وتحركاتهم تترى فيما اعتبروه «خطراً داهماً»، فأعلن رئيس وزرائها في نفس اليوم أن على السلطة الفلسطينية أن تختار بين السلام مع إسرائيل والسلام مع حماس، فحماس تدعو لتدمير إسرائيل، كما قال، بينما أجرى وزير دفاعه ايهودا باراك اتصالاً مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أعرب فيه عن قلق إسرائيل من الاتفاق المزمع توقيعه بين حركتي فتح وحماس، ووصف حماس بأنها تنظيم إرهابي تطلق عناصره القذائف الصاروخية على التجمعات السكانية الإسرائيلية، وتوقع باراك أن تطالب الأممالمتحدة والمجتمع الدولي الحكومة الفلسطينية الجديدة، حال تشكيلها، بقبول شروط اللجنة الرباعية الدولية المتمثلة بالاعتراف بإسرائيل والإقرار بالاتفاقات السابقة معها والتخلي عما وصفه بالإرهاب. الإشارة إلى الاتفاقات السابقة هنا تعني - بالطبع- اتفاقية أوسلو التي لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت للفلسطينيين، والتي قادها أساساً محمود عباس ورفاقه وورطوا فيها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رحمه الله. أفضل من حلل الدوافع العملية والموضوعية التي دفعت بالفريقين المتخاصمين -فتح وحماس- إلى هذا الاتفاق السريع والمفاجئ هو الدكتور نشأت الأغبس الباحث السياسي الذي تحدث من رام الله، قال إن دافع حماس للاتفاق، كان بالإضافة للأحداث والتطورات الدرامية التي تشهدها المنطقة وسوريا على وجه الخصوص، هو أنه بإمكانها استمرار السيطرة على غزة، والعمل على إعادة البناء، دون أن تهتم كثيراً بمركز السلطة في رام الله التي ستشكل لها حال الاتفاق غطاءً دولياً مقبولاً، كما يعطيها فرصة لإعادة بناء قواتها في الضفة الغربية التي تم تدميرها، ومغازلة الحكومة المصرية الانتقالية التي ستفتح لها المعابر من أجل التجارة واستيراد المواد الضرورية لإعادة البناء وتخفيف الحصار الذي يعانيه مواطنو غزة. وقال إن عباس يريد من جانبه الحصول على خاتمة ونهاية مشرفة لعهده في قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بعد الفشل الذي لازم اتفاقية أوسلو وتراجع فرص السلام، كما أن فتح تريد ترميم صورتها المهشمة على «مذبح السلام»، وإقناع المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي الذي يشكو من الانقسام الفلسطيني المعُطل لمبادرة السلام العربية والمبادرات الدولية. لكن ما هو لافت في ردود الفعل التي صاحبت بشائر المصالحة الفلسطينية، ليس هو الانزعاج الطبيعي والمتوقع من جانب إسرائيل، إنما انزعاج الإدارة الأمريكية، لدرجة التصريح وليس فقط التلميح بوقف المساعدات التي تقدمها واشنطن للسلطة الفلسطينية، فقد قالت وزارة الخارجية الأمريكية على لسان مدير الإدارة السياسية جاكوب سالفيان إنها ستضطر إلى إعادة النظر في سياستها لمساعدة السلطة الفلسطينية إذا شكلت حكومة منبثقة من المصالحة بين حركتي فتح وحماس -التي تعتبرها الولاياتالمتحدة «إرهابية»- وقال سالفيان: سنبقي على برنامج مساعدتنا طالما بقي الرئيس عباس في السلطة، ودعمنا الحالي للسلطة الفلسطينية يتعلق إلى حد كبير بمساهمتنا في بناء المؤسسات الفلسطينية الضرورية لدولة مُقبلة، وإذا تم تشكيل حكومة جديدة سيكون علينا تقييم مبادئها السياسية، ونُقرر بعد ذلك شكل مساعداتنا «وفقاً للقانون الأمريكي»، وأضاف في تناغم مع ما صدر عن المسؤولين الإسرائيليين «إن على الحكومة الفلسطينية الجديدة أيَّاً كانت احترام مبادئ اللجنة الرباعية» ولا يخفى أن الإشارة هنا هي إلى الاعتراف بدولة إسرائيل، وطبعاً «إياك نعني يا حماس». ومع ذلك فالوقت لازال مبكراً للحكم على التطورات المتلاحقة المتصلة بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، وهي تستحق نظراً متأملاً وأكثر عمقاً، وهذا ما سنرجئه إلى ما بعد لقاء عباس وهيئته في القاهرة يوم الأربعاء المقبل إن شاء الله.