هذه القضية ارتباط وثيق بانتمائنا للوطن في جوانب أخرى كثيرة، زحفت عليها (العولمة) وقضت أو كادت أن تقضي على كل ماهو وطني، حتى في زوايا ما كنا نظن أنها ستخرج من وجداننا بهذه السرعة، بل والسهولة، أليس أمراً يستحق التوقف والتأمل أن تنسحب وجدانياً من قضية كانت تشكل في حياتك مركز ثقل واهتمام خاص؟!! أعتز كثيراً بانتمائي لفريق الهلال السوداني.. تفتحت أعيننا على عشقه.. وارتبطنا بلون شعاره.. وحتى وقت قريب كنت أعرف أسماء كل لاعبيه، حتى الجالسين في دكة البدلاء الى أن يتم شطبهم، دون أن يتمكنوا من المشاركة مع الفريق الأول.. واحتفظ حتى اليوم بالبوم صور خاص لكل نجوم الهلال التاريخيين.. أذكر جيداً أنني لم أتذوق طعم النوم يوم خرج الهلال مهزوماً أمام فريق الموردة بهدف (بريش) الشهير.. تابعت النتيجة عبر فقرة الرياضة التي كانت تبث على أثير راديو أم درمان في التاسعة والنصف مساءا.. وعبر موجات الراديو نتابع مباريات الهلال لحظة بلحظة، بتعليق المرحوم علي الحسن مالك وغيره من المعلقين الذين كانوا ينقلون الحدث من داخل وخارج السودان.. ليس غريباً أن يكون الاهتمام والانتماء الرياضي هو الضلع الأول أو الثاني أو الثالث في مثلث حياة الكثيرين منا.. بل يحتل مساحة واسعة من حياة آخرين يرتبطون ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالرياضة حتى لا تكاد تظن أن لهم سبلاً أخرى يعيشون منها غير الرياضة، وتحديداً الانتماء للهلال أو المريخ أو أي فريق رياضي آخر!!.. لكن الغريب أن يتحول هذا الاهتمام ويتحول بزاوية حادة الى تشجيع ومتابعة فريق آخر بصورة تبعدك تماماً وبصورة كلية عن متابعة وملاحقة ومعايشة أخبار الفريق، الذي تربيت على لونه وأسماء لاعبيه، ولطالما فرحت لانتصاراته وحزنت عميقاً لهزائمه وخيباته!! أقول هذا لأنني أعيش على المستوى الشخصي حالة اهتمام رياضي(غير) مسبوقة بأخبار ومباريات فريق برشلونة الأسباني، صارت مباريات هذا الفريق الظاهرة تتحكم في مواعيدي وارتباطاتي المسائية، خاصة على مدار الشهر، وصرت أسيراً لفن برشلونة الرفيع ومتابعاً وبشدة لأخبار نجومه وأصداء انتصاراته المتتالية في جبهات التنافس الأسباني والاروبي والعالمي.. هذه المتابعة أبعدتني كثيراً عن الاهتمام بأخبار فريق الهلال الذي تربيت على تشجيعه، بل كنت لاعباً ضمن فريق الهلال بالجزيرة أبا، والذي تشرفت بزيارة ناديه خلال الأسبوع الماضي، وقضيت وقتاً طيباً مع إدارته ودفعتنا من قدامي اللاعبين.. ومن فرط هذه المتابعة (المرضية) (من مرض).. من فرط هذه المتابعة أحفظ وعن ظهر قلب كل أسماء لاعبي برشلونة الأساسيين والاحتياطي.. أحزن لهزائمه وأفرح لانتصاراته!! وحالتي مثال شاخص لكثيرين ممن أعرف، تركوا تشجيع الهلال والمريخ والتحقوا بتشجيع فرق عالمية أخرى.. والحال ينسحب على مجموعة كبيرة من شبابنا الذين يتوزعون بين قطبي الكرة السودانية، صاروا مولعين حد الخوف بتشجيع الفرق العالمية ومن يريد التثبت والملاحظة عليه القاء نظرة عابرة لأقرب نادي مشاهدة مساء الثلاثاء القادم، حيث يلتقي برشلونة بريال مدريد في مباراة العبور لنهائي دوري أبطال أوروبا بويمبلي!! الموضوع ليس ترفاً في تناول القضايا، والدنيا (مشغولة) بأمور داخلية وخارجية غاية في السخونة!!.. أردت فقط الإشارة الى زاوية مهمة من زوايا بنياننا الذي يتآكل بفعل استسهالنا لمخاطر نظنها من مستصغر الشرر.. من يجيب على سؤالنا: هل سيؤثر الاهتمام بالرياضة العالمية علي مستقبل كرة القدم بالسودان؟!!.