أسعدتنى كثيراً الكلمات الطيبة النبيلة التى خطها بالأمس يراع أخى وصديقى الأستاذ مصطفى أبو العزائم ، رئيس التحرير وهو يقدمنى لقراء(آخر لحظة) كاتباً راتباً كل إسبوع _ بإذن الله على صفحة الرأى ، لأوراق برلمانية فكرة الكتابة عن التجربة البرلمانية السودانية، والتى إمتدت لأكثر من ستين عاماً منذ فترة الجمعية التشريعية عام 1948م وحتى الآن، ظلت تراودنى منذ زمن بعيد كما كنت أتلقى تحريضاً أو إن شئت تشجيعاً على نشر وقائع وخلفيات وطرائف ماشهدته من هذه التجربة ، من شخصيات لها وزنها البرلمانى كالأستاذ محمد إبراهيم نقد، والأخ علي عثمان محمد طه، والأستاذ عزالدين السيد وآخرين.بيد أن المشاغل الصغيرة والكبيرة الحياتية والوظيفية والطبع السودانى الذى يوثر الحكى الشفاهى على التوثيق الكتابى، والموانسة العابرة على الكتابة الجادة ، حالت دون أن أقدم على الأمر، إلى أن كان لقائى بالأستاذ مصطفى بمكتبه العامر قبل أيام، ولقد كان لمنطقه المقنع وحماسه الشديد وترحابه الكبير الفضل فى حسم الأمر. لقد شاءت الظروف أن أعمل بالبرلمانات السودانية المتعاقبة ، منذ مجلس الشعب الثانى عام 1976م ، وحتى المجلس الوطنى عام 1998م ، فى وظائف قانونية مختلفة بلجنة التشريع ولجنة الرقابة الإدارية ثم المستشارية القانونية بدءً من عام 1982م ، وحتى إختيارى مسجلاً للأحزاب السياسية فى ذات العام .عاصرت خلال هذه الفترة ثمانية رؤساء للبرلمان فى عهود مختلفة، شمولية وتعددية ، هم الرشيد الطاهر، الرائد أبوالقاسم هاشم ، عزالدين السيد، محمد إبراهيم خليل ، محمد يوسف محمد، فاروق البرير، محمد الأمين خليفة وأخيراً د.حسن الترابى. وتعرفت إبان هذه الحقبة المتطاولة على المئات من القيادات التشريعية، نواب للرئيس، رواد ورقباء، زعماء أغلبية ومعارضة، رؤساء لجان دائمة ، رؤساء كتل برلمانية ، أمناء عامين ومستشارين وخبراء فى كافة المجالات . وإتسعت معرفتى بالدنيا وبالحياة العامة، عبر الإطلاع والإستماع إلى المئات من البيانات الوزارية رفيعة المستوى، والتقارير والمذكرات القيمة، والمساجلات والمرافعات البليغة فى السياسة والإقتصاد والإدارة والقانون والشئون الإجتماعية والمسائل الأمنية والدفاعية والإستراتيجية.وسعدت كثيراً بمعرفة أفذاذ الرجال من زعماء القبائل والعشائر من كل أنحاء السودان ومن صفوة التكنوقراط، وأبرز القيادات النقابية والمهنية، علاوة على رجال الأعمال وأساطين الفكر والأدب والصحافة والفن . وتابعت عن قرب مسيرة المرأة السودانية البرلمانية وإسهاماتها فى النشاط البرلمانى والسياسى، كما كنت شاهد عصر على الكثير من الأحداث والتطورات الدستورية والسياسية، وأتيحت لى الفرص للمشاركة فى المؤتمرات الإقليمية والدولية، وفى لجان الإنتخابات والدستور والتحقيق البرلمانى. فى الأسابيع القادمة وبعون من الله وتوفيقه، سوف أسعى لنشر أوراق برلمانية، تتناول المنعطفات الحاسمة فى تجربتنا البرلمانية، والمواقف الحرجة والطريفة، مع توقف عند بعض الشخصيات الهامة التى لعبت دوراً محورياً فى المسيرة البرلمانية السودانية، وسوف أحاول من وقت لآخر أن أتناول بالتعليق والتحليل أية قضايا أو مستجدات تتعلق بالبرلمان أو بتطوير وترقية الأداء الرقابى والتشريعى