ثلاث ليالي: في الإيمان المسيحي ما يؤكد أهمية الليالي الثلاث، فلقد مكث السيد المسيح في القبر بعد موت الصليب ثلاث أيام وثلاث ليالي، وكان يونان أويونس النبي ذو النون رمزاً للسيد المسيح، لأنه مكث في بطن الحوت ثلاث أيام وثلاث ليالي، وقد أكد السيد المسيح هذا عندما أتي إليه يطلب منه معجزة، حِينَئِذٍ قَالَ قَوْمٌ مِنَ \لْكَتَبَةِ وَ\لْفَرِّيسِيِّينَ: »يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً«. فَقَالَ لَهُمْ: »جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ \لنَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ \لْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ \بْنُ \لإِنْسَانِ فِي قَلْبِ \لأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي \لدِّينِ مَعَ هَذَا \لْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا!(متي12: 38-41). وعندما نتحدث عن ألف ليلة، فإنني أذكر أنني كنت مدمناً لسماع هذه الحلقات، واسمها طبعاً "ألف ليلة وليلة"، كل ليلة ليلة، لقد كنت أراقب هذه الحلقات كما عمل أدبي عظيم، لم أشعر إطلاقاً بأي ذنب لأنني أسمعها، فلقد كانت قطعة أدبية رائعة، كنت أرى فيها المرأة الذكية الفاهمة التي طوعت الأمير القاسي القلب، والتي تمكنت البطلة المرأة الناعمة، من أن تروض هذا الأمير الفظ، الغليظ القلب، الذي انتهى به الأمر إلى الزواج منها بدلاً من قتلها، ولكن التاريخ أضاف إلى الف ليلة وليلة ليلتين أخريتين، الليلة الأولى ليلة مظلمة حكم فيها بالحرق على رواية ألف ليلة وليلة، وصار بوليس الأديب المصري يبحث عن الكتاب أينما وجد، لكي يصادره ويحاكم كل من يقتنيه، بدءاً بسور الأزبكية الجميل الذي كان ملهماً لثقافاتنا المتنوعة، ومصدر لقراءاتنا الأدبية، منذ أن كان الكتاب يتراوح ما بين قرش واحد وقرشان فقط لا غير، وكان العم مدبولي أحد أبطال السور والذي صار فيما بعد صرحاً ثقافياً ممتازاً ومميزاً، هذه أولى الليالي التي تضاف إلى تاريخ ألف ليلة وليلة، أما الليلة الثاني التي تزاد إلى ألف ليلة وليلة فهي ليلة الدفاع عن ألف ليلة وليلة، عندما عرض أمر المتطرفين أصحاب ليلة القبض على ألف ليلة وليلة على المحكمة، والتي أمرت بدءاً بتوقيع العقوبة على كل من عنده مثل هذا الكتاب، وهذا سبب طول الليلة الأولى، ولكن جاءت الليلة الثانية والتي فيها تآرز وتجمع أهل الثقافة في مصر والعالم العربي، يستنكرون جريمة القبض على ألف ليلة، وتمكنوا بأسلوب مقنع من رفع الظلم عن الرواية الجميلة، والغاء الحكم الأول، وهكذا أصبحت ألف ليلة وليلة هي ألف ليلة وثلاث ليال، مضافاً ليلة القبض على ألف ليلة وليلة، وليلة الإفراج عن الرواية، ورفع مساوئ التطرف الذي يعتبر في كل شيء عورة، والثقافة ليست كذلك، أنها عالم جميل أجمل من عالم زين، وحتى شركة زين وهي ترغب في أن تحقق ما تسميه (عالم جميل)، إنما تحققه بالإهتمام بالثقافة السودانية، وها هو الفريق الفاتح عروة، يفتح أمام رجال الثقافة أبواباً للإبداع، ويمد يد المساندة لوزير الثقافة المثقف السموأل خلف الله، ويحقق معه الإبداع في ليالي العاصمة المثلثة والتي هي في جمال وإبداع ألف ليلة وليلة. ليلة الدفاع: وفي ليلة الدفاع عن الثقافة، وعن طمس المعالم الثقافية، وهي ليلة طويلة رغم ظلمة ليلها، ولكن أشرق عليها فجر نور الثقافة، وعندما ندرس الذي قدمه محامي ألف ليلة وليلة، وهو المحامي صبري العسكري، كان دفاعاً قوياً، وقد قال إن كتب التراث المتداولة والمعروفة تتضمن روايات وعبارات من الغزل الصريح تفوق ما جاء في ألف ليلة، ولو أن صوت الدفاع لم يسمع في آذان المحكمة التي قررت العقوبة على جريمة اقتناء كتاب ألف ليلة وليلة، ولكن الإستئناف كان ممتازاً لأنه شطب البلاغ جملة وتفصيلاً. ولقد شرح الدكتور جابر عصفور في مقاله: إنقاذ ألف ليلة من الحرق، في عدد مارس 2011م من مجلة العربي، قصة الدفاع والذي جاء من أدباء مصر ومن العلماء ومن أصحاب الرأي النزيه، ولقد ذكر جابر عصفور رأي البابا شنودة الثالث عندما استفتي في هذا الأمر، في الحوار الذي أجري مع قداسة البابا في مجلة روز اليوسف 15 أبريل 1985م، وهو عام كارثة المطالبة بحرق ألف ليلة وليلة، وكان توفيق الحكيم قد تصدى للدفاع عن ألف ليلة قائلاً: إن الكتاب لا ينطبق عليه ما يجريه القانون للفعل الفاضح، لأن الفعل الفاضح هو ما يفرض على الإنسان، أما الكتاب فاقتناؤه يخضع لاختيار القارئ، وقد دافع البابا مع المدافعين، واهتم عصفور بدفاعه أكبر الإهتمام فلقد قال البابا: إن الإصلاح لا يكون بإحراق كتاب ألف ليلة وليلة، ولعل مشكلة الكتاب هي ما يحويه من قصص الحب والجنس والسحر والأرواح والعفاريت والجن، فإذا كانت المشكلة خاصة بالحب والجنس، فهل هناك إتجاه لإبادة وحرق كل الكتب المتعلقة بهذا الموضوع في المكتبات والأسواق، ومنها كتب كثيرة لمشاهير كتابنا وأدباء جيلنا. * هل هناك اتجاه لحرق وإبادة كل ما يوجد في دواوين الشعر من أشعار الغزل، وما هو موجود في الأغاني والمواويل؟ * هل من الممكن حرق كتب أبي نواس، وكتب الأطفال الحافلة بألوان القصص عن الجن والعفاريت؟ * إن التراث القديم قد أصبح ملكاً للتاريخ، لا نستطيع أن نحوله أو نلغيه، ولو أن كل جيل حرق ما لم يعجبه من التراث فسوف تتوالى الحرائق، ويأتي وقت يباد فيه كل شيء كما قال: ما حياتي غير أمس عابر هو أمسي كلما طال الأمد إن يومي هو أمسي في غد وغدي يصبح أمساً بعد غد * وختم قائلاً: إننا ندعو إلى الخلق الكريم ومقوماته، وندعو إليه من داخل القلب، فالقلب النقي حصن لا ينال ولا يقهر.