عندما لا يجد المرء شغفاً ومحبة للمهنة التي يؤديها ويمتهنها, فعليه أن يلقي عصا العمل وينسحب فوراً!!.. الاستمرار في عمل تشعر فيه بالضغوط والمعاناة والرهق.. ولا تسكب فيه قدراً من رحيق عمرك ودواخلك وانت راضي النفس، ومطمئن القلب والوجدان, عمل كهذا عليك بمغادرته وطي صفحته حتي لا تستنزف عمرك وطاقتك في مهنة تمتص مشاعرك وأحاسيسك، ولا تمنحك من بعد غير الارهاق والمعاناة النفسية، وتعب الجسد وضيق النفس والروح!! أعرف فناناً كبيراً قضى عمره يغني للناس ويطربهم.. يزرع الفرح في أيامهم ولياليهم.. كان ياكل عيشه ويكسب رزقه من جيب معجبيه الذين يدفعون من حليب أطفالهم لحضور الحفلات التي يقيمها.. ويحضرون من بعيد المناسبات التي يكون نجمها وشاديها.. يعترف الفنان الكبير أنه كان ولا يزال يكسب من مهنته هذه.. لكنه مع هذا يعاني ضيقاً يجده في نفسه.. ويعيش حالة من عدم الاستقرار والتوازن النفسي والعائلي.. في لحظة صدق واعتراف للذات قال لي إنه خلط عملاً صالحاً بآخر سيئ.. أدخل في حياته حراماً من الأكل والشراب.. عاقر الخمر.. وأتى أفعالاً يخشى من إعلانها.. وهنا يكمن سر وجعه ورهقه.. يقول إن العمر تقدم به ومضى زمان الفتوة والصبا.. وربما يغادر الدنيا ولم يوفر بعد لأولاده وأهله ظلاً من هجير الدنيا والزمان.. يعترف بصدق.. اتحمل تبعات مايحدث لي!! أكثر من قصة مشابهة تجدها في دروب الحياة المختلفة لأناس عانوا كثيراً بسبب المهن التي يعملون بها.. ولكنك إن امعنت النظر في كثير منها ستجد أن المهن بريئة في كثير من الأحيان من معاناة أصحابها!!.. وقليلاً ماتجد أن المهنة تسببت في معاناة من يقوم برسالته في حب ورضا وقناعة بما يعمل ويأتي من الأقوال والأفعال!! الصحافة كغيرها من المهن لا يمكن أن تتم بغير التعب والمعاناة.. وهذه ضريبة كل عمل عظيم.. وتبعات كل رسالة لها قيمة.. ومغزي وهدف!! الصحافة مهنة نبيلة.. هي مهنة المتاعب نعم.. وهي مهنة الشقاء نعم.. ولكنها رسالة تستحق كل ما يبذله من يمتهنها بصدق ورغبة صادقة في اداء رسالته ومعايشة الظروف الصعبة التي تصاحب أداءها وممارستها!! من كان يظن أن المهن العظيمة يمكن أن تتم بغير تعب وشقاء، فعليه الانتظار طويلاً في محطة الشكوى والضجر!! ومن كان يعتقد أن هذه المهنة سبب شقائه وتعاسته فعليه أن يغادرها حتى لا يضيع عمره في مهنة ستأخذ منه رحيق العمر ونضارة الأيام، ثم لا يجد في آخر أيامه غير التعاسة والشقاء وضنك الذكري الأليمة !! الصحافة مهنة رائعة.. وروعتها في عنائها.. وبريقها في نار البحث الجاد والشاق عن المعلومة وما ينفع الناس.. والصحافة مهنة قدمت العاملين فيها للدنيا والناس.. صنعت منهم نجوماً واقماراً ورفعتهم مكاناً عليا بحبهم لها ورضائهم بالشقاء في سبيل الحقيقة !! والصحافة كغيرها من مجالات العمل الأخرى يتعرض شاغلوها لظروف الحياة الصعبة وامتحاناتها المتتالية.. والصحافة من بعد مهنة تستوجب أن نؤديها بعشق وحب.. ومن لا يستطيع ممارسة الصحافة بقليل من الشغف.. وكثير من الحب, فلن يجد في نفسه غير الضيق والعنت!!