إن تأكيد الاستهداف الاستعماري الضخم الذي يتعرض له الوطن منذ فجر الاستقلال لا يحتاج لكبير عناء، فكل شيء في السودان يغري حقيقة بطمع الأعداء... فالأرض شاسعة وخصبة والمناخات متنوعة وجاذبة والأنهار عذبة وجارية والثروات في باطن الأرض وسطحها باذخة، والموقع الجغرافي فوق الإستراتيجي أما شهامة الأمة والشعب فمشهودة. إن المستعمر قد غرس خنجره المسموم في خاصرة الوطن باكراً وهو في طريق الخروج قبيل الاستقلال فكانت بداية الشرارة لمشكلة جنوب السودان حيث ظل الوطن غارقاً في أتون حرب أهلية لا تعرف النهاية، أربكت الخطط الوطنية وأفسدت النسيج الاجتماعي وابطأت البرامج الخدمية والتنموية والأهداف الإستراتيجية والوطنية منذ منتصف القرن الماضي ولا تزال، حتى لما أذن المجتمع الدولي باتفاقية سلام نيفاشا الشائهة ما كان ذلك إلا لتمكين التمرد من التقاط أنفاسه وانقاذه من هزيمة وشيكة على يد الجيش السوداني والمجاهدين والمرابطين. مضت ست سنوات تعافى فيها العدو وتغذى من ثروات الأمة ومال الدولة.. بنى جيشه وقوته العسكرية... خبر ميدان المعركة وتعرف عن قرب على حجم العتاد والبرامج الإستراتيجية والعسكرية ومارس الخداع مع القوى السياسية والوطنية بما فيها المؤتمر الوطني الشريك وكسب وقت غالي وثقة لا يستحقها. مما يعينه غداً على الضرب المؤلم في مقاتل الوطن وإفساد أمنه واستقراره بعد أن نجح بخدعة ماكره وخيانة عظمى من انتزاع أرض الجنوب البكر من حضن الوطن الأم ليكون ميدان المعركة من بعد ومسرح عملياتها السودان الشمالي. بدأت مع انتزاع الجنوب بسيناريوهات الإستهداف لأطراف السودان الشمالي الأخرى ليستعر النزاع مجدداً في أبيي والتشكيك والمغالطة الدولية بتبعيتها لشمال السودان وينطبق الأمر على جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق من خلال خدعة بما يسمى بالمشورة الشعبية التي جاءت مبهمة في إتفاقية نيفاشا لدرجة أنه لم يتفق الشريكان على تفسير لها تقبله الأطراف ليتضح مؤخراً أن العدو لم يرد من المشورة الشعبية إلا أن تكون مرادفة لعبارة تقرير المصير التي وردت بشأن جنوب السودان. إن المشورة الشعبية كتبت هكذا على استحياء لتكون سبباً لعدم الإستقرار في هذه المناطق، يتم كل ذلك والنظام الاستعماري الجديد لا تغفل عيناه عن مشكلة دارفور التي ينفخ في شرارة نارها بمليء شدقيه. أي مؤامرة تحاك بالبلاد ومقدراتها؟ أي فتنة خطيرة خطط لها العدو الماكر وحشد لها أذنابه وعملائه من أبناء الوطن الجريح المفجوع؟ إن العدوان الهمجي الطائش في نظرنا الذي يقوده الجنرال عبد العزيز الحلو الحاكم المناوب لجنوب كردفان لم يكن في تقديرهم همجياً أو طائشاً بعد أن خسرت الحركة الشعبية انتخابات جنوب كردفان، ولكنه تنفيذاً لتكليف مدرج في خطة الاستهداف الدولية، والنيل الأزرق في الطريق رضينا أم أبينا، صحونا أم غفلنا إذا ما خشيت الحركة الشعبية أو شعرت بخسران حكمها للمنطقة. إن فكرة السودان العلماني الجديد الذي أعدت الحركة الشعبية لأجله وأرسلت لتنفيذه بديلاً للمشروع الحضاري السوداني، قد وضعت مراحله وبدائله بدقة وعناية فائقة بحيث أنه لو تعذر إنقاذه سلماً عن طريق التحول الديمقراطي والعملية الانتخابية كما هو الحال، يتم انفاذه بالبدائل الأخرى... وهي فصل جنوب السودان كما وقع الآن ويجري التخطيط على ذات النحو بالمناطق الأخرى داخل السودان الشمالي... أبيي، جنوب كردفان، النيل الأزرق، دارفور وربما غيرها فأما أن تُحكم بفكرة السودان الجديد العلماني أو تنتزع عنوةً واقتداراً أو تظل الحركة الشعبية تفتعل المشاكل وتثير القلاقل، والدليل على ذلك أن تسارع الأيام ومضيها نحو الموعد المضروب لإعلان ميلاد دولة جنوب السودان في التاسع من يوليو القادم بدلاً من أن يكون سبباً لحشد الحركة الشعبية لجهودها وكسب أصدقائها لإنجاح برامج ميلاد الدولة الجديدة واستشعار المسؤولية لتحولها لمرحلة الحكم وحسن رعاية شعب جنوب السودان، الذي طالما وعدته بالمن والسلوى وإزالة مظاهر التهميش ، ولكنها ظلت تعمل في مسرح الفتنة والفوضى الخلاقة وتهدد استقرار السودان الشمالي.. إن فرص الاستقرار والنماء والصمود في السودان الشمالي تبدو أفضل منها في الجنوب بالرغم من سيناريوهات الاستهداف الاستعماري الماكر كما أسلفنا نظراً لبنية الدولة الراسخة والخبرة المكتسبة في التعاطي مع التحديات الدولية ومظاهرها المحلية التي تعود عليها السودان واستنفار منها في استنفار طاقات الوطنية كافة وجعل من التحديات أمصال يقوى بها الجسد الوطني للصمود طويلاً دون الغناء أو التمزق على عكس واقع الحركة الشعبية في جنوب السودان التي تحمل بذور فنائها في جوفها والله لا يهدي كيد الخائنين.