قرأت في «عزيزتي آخر لحظة» الملحقة بصفحة الرأي، رسالة من الأخ «هاشم عبيد الله علي» من الولاية الشمالية بعنوان «عام مضى على رحيلك»، يناجي فيها طيف زوجته العزيزة الراحلة «فاطمة الزهراء عبد الله محمد» ويبثها لواعج نيرانه.. بعد أن توقد لهيب الشوق.. وتأجج الجوى.. وتضرمت نار الرجاء.. ويبس نبت عمره بعد أن غبّ القطر.. فما عادت الأزاهير تشرق.. ولا فنن النوار يزهر..! لقد كانت رسالة مفعمة بالوفاء بعد أن عزَّ في زمن الغدر.. وصوت الخيانة الذي يصرخ داوياً.. فينبت ما اتصل.. من أواصر المحبة..!! والوفاء من حميد المكارم.. وكريم الشيم.. وفضائل الأخلاق وهو من أقوى الدلائل وأوضح البراهين على طيب الأصل، وشرف العنصر..! وأول مراتب الوفاء أن يفي الإنسان لمن يفي له وهذا فرض لازم وحق واجب لا يحول عنه إلا خبيث المحتد من لا أخلاق له ولا خير فيه..! والوفاء هو أصل المودة والمستدعي صحة العشرة، والمقيد بزمام المحبة، والوفي مجلوب بفطرته على ذلك لنبل شرفه.. وحفظه لعهوده واستواء سريرته وعلانيته!! كثير من الرجال ينسى عشرة الزوجة.. ويهون عليه جميل الأيام.. وحسن المعاملة.. فيسهل عليه الغدر والطعن غيله.. لذا قالت الأعراب ثلاثة مستحيلة.. الغول، العنقاء والخل الوفي.. فللوفاء سيماء ذكرها «بن حزم» فقال: يكون الوفي ذا خلال واضحة للعيان.. لطيف القول، بسيط الطَول، حسن المآخذ، دقيق المنفذ، متمكن البيان، مرهف اللسان، جليل الحلم، واسع العلم، قليل المخالفة، عظيم المساعفة، شديد الاحتمال، مستوي المطابقة، محمود الخلائق، مكفوف البوائق محتوم المساعدة.. كارهاً للمباعدة، مصروف الغوائل حلو الشمائل، طيب الأخلاق، أصيل الأعراق، مكتوم السر، كثير البر.. صحيح الأمانة، مأمون الخيانة، كريم النفس، صحيح الحدس، نافذ الحس، مضمون العون، كامل الصون، مشهور الوفاء، غير مقطوع الرجاء!! زاوية أخيرة: رحم الله فاطمة الزهراء.. وجعلها زوجك في الجنة.. أخي هاشم «وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون».