يبلغ تعداد سكان دارفور أكثر من ستة ملايين نسمة، وبالتالي فهو ثاني أكبر أقليم في السودان من حيث السكان - بعد الإقليم الأوسط - الذي يضم الجزيرة والنيلين الأبيض والأزرق، ويمثل أهل دارفور 5.22% من مجمل سكان السودان الجديد، أما إذا أضفنا السكان الذين هجروا الإقليم للعمل بالجزيرة المروية، والذين نزحوا بسبب الجفاف والتصحر أو الحرب والصراع إلى العاصمة الخرطوم وكسلا والقضارف وبورتسودان فإن مكون أهل دارفور في السودان بعد انفصال الجنوب يصل إلى 40%. يتميز إقليم دارفور الكبير بالتنوع العرقي والثقافي، حيث تعيش بدارفور عشرات القبائل والشعوب ذات الأصول الأفريقية والعربية، تبلغ حوالي «113» مائة وثلاث عشرة قبيلة، ظلت تتعايش وتتداخل مع بعضها بالتزاوج والتصاهر، حتى أوجدت إنسان دارفور الحالي بكل خصائصه وثقافته. ظلت العلاقة بين هذه القبائل والشعوب تزداد متانة وقوة عبر الزمان، بل أصبحت مؤسسات اجتماعية راسخة ومتعايشة لم تكن تعرف الحروب والصراع إلا في حدود ضيقة جداً، تقوم في الغالب بين أبناء العمومة أو بين القبائل ذات العرق الواحد لأسباب بسيطة جداً لا تعدو الصراع لأجل المرعى أو مناهل المياه، وكانت دارفور لا تعرف أي مهددات أمنية بسبب النزاعات العرقية وكان الراكب يسير ليلاً من قرية إلى قرية - حتى وقت قريب - لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه!! تبلغ مساحة إقليم دارفور بولاياته الحالية نصف مليون كلم، غنية بالموارد الطبيعية في سطح الأرض وباطنها بالإضافة لثروة حيوانية هائلة. لما كانت البيئة الطبيعية هي القاعدة الإنتاجية لمجتمعات دارفور التقليدية هذه فإن التدهور العام الذي أصاب البيئة الطبيعية بسبب الجفاف والتصحر منذ السبعينيات من القرن الماضي، قد أدى إلى شح الموارد الطبيعية.. الماء والكلأ.. لذلك بدأ التافس عليها بين الرعاة المتجولين والمزارعين المستقرين وبدأت الاحتكاكات والمنازعات، خاصة بعد توسع الزراعة مع ضيق المرعى، فبرزت ألقاب «العرب» و«الزرقة» بأعتبار أن معظم الرعاة الرحل من القبائل العربية ومعظم المزارعين المقيمين ينتمون إلى القبائل ذات الأصول الأفريقية. ساعد في تطور الصراع وتنامي الفتنة وفرة السلاح القادم من دول الجوار المتوترة وتفشي ظاهرة النهب المسلح بالإضافة للاستغلال السياسي الرخيص للصراع الذي كان بسيطاً وساذجاً أول الأمر . جاءت حملة بولاد على الإقليم في مطلع التسعينيات لتسكب مزيداً من الوقود على النار الموقدة، ثم ركب المغامرون الجدد على ظهور الشياطين المسرجة مع مطلع الألفية الجديدة فأحالوا جنة السودان في الغرب الحبيب إلى جحيم والصلات الاجتماعية الحميدة إلى صراع جاهلي ذميم فانشغل رواد الجودية وخبراء فض النزاعات بدارفور بأنفسهم وتطاول ليل الأزمة البهيم. تبارت العواصم العربية والأفريقية في استضافة المفاوضات بين الحكومة والحركات المتمردة بدارفور التي يجهل الجميع أهدافها وأوزانها وأعدادها!! فحارت العواصم ووسطاؤها وطاشت بوصلة المفاوضين الحكوميين، فتعتزم الحكومة أحياناً الاعتراف ببعض الحركات وتجلس إليها بأعتبارها المسيطرة على ميدان العمليات، ثم تفاجأ الحكومة باشتعال مسرح العمليات في ذات الوقت!! مما جعل حملة الملف التفاوضي الحكومي ينادون وينشطون فيما يسمى بمشروع توحيد الفصائل المسلحة وحصر المنابر. دخلت دولة قطر الشقيقة كوسيط مقبول لأطراف النزاع والأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي في بداية عام 2009م لتقدم جهداً صادقاً وعميقاً واستضافة كريمة للوفود التي تطاول وجودها، ولم يقف دور قطر عند الدور الرسمي المعتاد في الرعاية والتسهيل، ولكن الأمر تجاوز ذلك بحماس صادق يتبدى من تعبير وسلوك دولة قطر التي وضعت إمكاناتها المهولة وعلاقاتها العامرة في خدمة السلام والاستقرار في السودان ولم يهدأ لها بال حتى تحقق بالأمس هدفها النبيل بتوقيع الوثيقة الشاملة لسلام دارفور، هدية عظيمة من دولة قطر الشقيقة لشعب السودان عموماً - معلم الخير للشعوب - حسب تعبير وزير الدولة للخارجية وإسعاد خاص لأهل دارفور أحفاد كساة الكعبة الشريفة وسقاة الحجيج وحداة المحمل الشريف. جاءت اتفاقية سلام دارفور في سبعة محاور جامعة لكافة تطلعات أهل دارفور، ومانعة لتجدد أي صرا ع بسبب السلطة والثروة ومؤيدة من أهل المصلحة بدارفور.. القادة من المجتمع المدني والإدارة الأهلية والحكومات الولائية والمحلية ونواب البرلمان وضحايا الحرب من النازحين واللاجئين والشباب والمرأة.. ومشهودة بقادة الهيئات الدولية والإقليمية ورؤساء دول الجوار والرأي العالمي لنطوي بذلك صفحة قاتمة من تاريخ دارفور والسودان ويبدأ عهد مشرق تستعيد فيه دارفور سيرتها الأولى. لقد عاد منذ الأمس ملف دارفور إلى الداخل وأسدل الستار على منبر الدوحة تماماً وبالتالي إغلاق أي منبر آخر ليودع أبناء الوطن هواية السياحة في بلاد الغير والكف عن نشر الغسيل القذر على أسوار الأمم، يعود الملف إلى الداخل، مع تصميم دولة قطر على متابعته داخلياً من خلال التأكد كوسيط من وفاء الأطراف بالبنود ومن خلال دعمها المادي كدولة شقيقة بإنشاء بنك تنمية دارفور ليتبقى على الحكومة القيام بالآتي:- أولاً: وضع جدول عمل بقطعيات محددة وتوقيتات حازمة لإنفاذ بنود الاتفاق الأخير لصالح كل أهل دارفور وفاءاً بالترتيبات الأمنية المطروحة وإكمالاً لمشروعات التنمية والخدمات واستكمالاً لمنظومة ما ورد في ملفات السلطة والثروة وإفشاء للعدالة والمصالحة وجبر الضرر. ثانياً: إبراز هيبة السلطة بلا مواربة وجمع السلاح من أيدي العابثين والضرب بقوة على أوكار الإجرام والنهب المسلح وحسم كل مظاهر الإخلال بالأمن والنظام العام واستقرار البلاد. ثالثاً: قفل باب تعاطي السلطة عن طريق التمرد والعنف نهائياً بعد اليوم بحيث لا يبقى أمام المتمردين المتخلفين عن إجماع أهل السودان ودارفور إلا التوقيع على الوثيقة الشاملة والنهائية المعتمدة أو مقاومة إجماع أهل السودان. ختاماً: على الدولة الانتباه والالتفات باهتمام للحراك الجماهيري الضخم الموالي والمؤيد للسلام والاستقرار والنابذ للتمرد والعمل على استيعاب هذه الجهود التي تأخر استيعابها بدارفور لدعم الاستقرار والسلم الاجتماعي ومحاصرة أسباب التمرد وتجفيف منابعه وعز م الجميع على أن تعود دارفور لسيرتها الأولى بإذن الله.