إن الواجب يحتم علينا أن نقر ونعترف تماماً بأن واقع بلادنا وما حولها من مهددات أجنبية لا يسمح لنا أن نختلف كشعب أو حكومة.. ولا يسمح لنا التشبه.. بما يدور حولنا في بعض الدول، وألاَّ تعجبنا عبارات الشعب يريد اسقاط النظام.. ولابد لنا من الهدوء والاستقرار، ولابد أن يحرص كل أهل السودان، ليكونوا على قلب رجل واحد، حتى نستطيع حماية بلادنا من كل ما يستهدفها من شرور الأعداء، ومع ذلك فالواجب على النظام الذي يحكمنا الآن مراعاة هذا الشعور الوطني، والواجب أن يتراجع عن اصراره والتمسك بالحكم رغم رأي الأغلبية فيه، وأن يسعى لتغيير نفسه بنفسه طواعية واختياراً بدون قوة أو معارضة، ونقول ذلك لأهمية توضيح حقيقة لابد منها.. ونقول وبعد أن حدث الانفصال وانقسم السودان لم يصبح الحال كما هو.. وأن الموقف قد تغير تماماً.. ولا يوجد سبب واحد لما نسمع به من عناد واصرار لاستمرار الإنقاذ في الحكم، وهذه الأيام نسمع مايؤكد ذلك وخاصة في ترديد عبارة جمهورية ثانية، رغم أن واقعنا يقول بإننا قد خرجنا تماماً من تلك الفترة، وذاك عهد نراه قد انتهى وما عاد التمسك به ممكناً، وإذا كنا في الماضي جمهورية واحدة في وطن واحد فلا نستطيع الآن أن نقول بإننا جمهورية ثانية، لأن نظام الإنقاذ الذي جاء عام 1989م واستولى على دولة واحدة هي الشمال والجنوب، ثم سميت بعد ذلك جمهورية.. والآن وبعد الانفصال فلا مجال للشمال أن يسمى جمهورية ثانية، إلا بعد أن تكون هناك انتخابات جديدة وحرة ونزيهة، لأن ذلك الماضي ما كان يجد القبول المطلق حتى ولو كانت هناك انتخابات سابقة، فإن مرحلتها قد انتهت، وأصبح الآن بعد الانفصال هناك واقع جديد، وعلينا أن نبحث له عن مسمى جديد ليجد القبول التام عند الشعب السوداني في الشمال، والحقيقة التي يجب أن تقال فإن الإنقاذ وفي خلال أكثر من عقدين من الزمان، فقد فرضت وجودها على كراسي الحكم بقوة السلاح وبالهيمنة على السلطة، ولم يكن بوجودها قناعة عند الأغلبية إلا عند من لهم مصالح مع النظام، وظل بقية أهل السودان يبحثون عن مخرج من قبضة هذا النظام، والآن جاءتهم الفرصة بانقسام السودان، والأمر الذي لم نكن نتوقعه بأن يفكر الجزء الذي تسبب في هذا الانقسام أن يبقى كما كان في السلطة، ويسمي نفسه جمهورية ثانية، والواجب وبمثل ما ذهب الجنوب عن الشمال أن تذهب الإنقاذ كذلك عن الشمال، بل وتعتذر للشعب السوداني عن الذي حدث، وإذا أرادت أن تعود عليها العودة (بالدرب العديل) وليست هناك عودة صحيحة إلا عبر الديمقراطية الصحيحة، ونكرر القول بإننا في واقع جديد وهذا الواقع، يجب أن نسميه ديمقراطية ثانية، بل نسميها ديمقراطية أولى، لأن الإنقاذ ومنذ أن جاءت لم تأتينا بديمقراطية، والآن فإننا نسأل الله أن تخاف حكومة الإنقاذ من الله في الشعب السوداني، وأن تفك أسره من هذه القبضة الحديدية، والتي طال زمانها ولا يوجد ما يبررها، والكثيرون يجأرون بالشكوى وترتفع أياديهم إلى السماء يطلبون الرحمة والخلاص، ونكرر قد جاءتهم الفرصة بانقسام الوطن إلى قسمين.. ونرى بأن الأمر أولاً وأخيراً عند سيادة السيد عمر البشير.. وآمل أن يكون عند حسن ظني الذي أضعه فيه دائماً رغم احتجاج البعض على هذه الثقة.. ولكن أتوسم فيه مخافة الله والشجاعة والقرار الذي نتمناه يحتاج للصفتين، وأريد من سيادته أن يتذكر بأنه هو الذي قاد ذلك الإنقلاب المشؤوم والذي أطاح بالديمقراطية، ونحن نتمنى منه أن يعيد تلك الديمقراطية إلى أهل السودان مرة أخرى، رغم أننا نوافقه الرأي في تلك الديمقراطية، وقد قال إنه جاء لإنقاذ أهل السودان من عبث الأحزاب وهو عهد نقر ونعترف بأنه بمنتهى السوء.. ولكن أسباب السوء فيه هم الذين دعموا القوات المسلحة لأحداث ذلك الانقلاب، والحقائق عن هؤلاء معروفة، وهم من عملوا على تشويه الديمقراطية بإعلامهم المسموم وخصومتهم الفاجرة بالإساءة للأحزاب وقياداتها، وهم من أسباب التآمر باسقاط اتفاقية (الميرغني قرنق) والتي كانت تنص على وحدة السودان شعباً وتراباً، وأن السودان لن يغفر لمن كانوا سبباً في هذه الجريمة وهم معروفون بأسمائهم وهم وحدهم الذين كانوا السبب في تمزيق وحدة السودان، ونقول الآن نحن في مرحلة نحتاج فيها لنظام ديمقراطي يعيد للشعب السوداني حريته وكرامته وربما وحدته.. ولذلك فنحن نريد أن تصمت الأصوات التي تتحدث عن ديمقراطية ثاني، ولا ندري على أي أساس هذا الفهم، حيث لم تكن هناك جمهورية بل هناك نظام ظل مسيطراً على كراسي الحكم، كما أننا نريد أن تصمت الأصوات التي تنادي بحكومة عريضة أو حكومة قومية أو أي نوع من الحكم يكون لحزب المؤتمر الوطني فيه الأغلبية، لأننا يجب أن نقول الحقيقة.. فلن نكون هناك ديمقراطية إلا بعد ابعاد المؤتمر الوطني من السلطة، ولا يكون له الهيمنة على كل شيء، لأن من يؤيدونه لا ينطلقون من مبادئ، بل نتيجة للخوف أو الحفاظ على المصالح، ونحن نرضى بالسيد عمر البشير وطالما كان السبب في وجود الإنقاذ أن يكون السبب مره أخرى في إنقاذ الشعب السوداني منها، ونرضى به كذلك لاختيار حكومة بعيدة كل البعد عن الأحزاب وبأسماء قومية، ومن أصحاب الكفاءة والمقدرة ليسيروا بالوطن حتى قيام انتخابات ديمقراطية، وفي وقت سريع أوالشعب السوداني، وحسب ما عنده من تجارب سابقة فهو سيحرص على اختيار الأبناء وأهل الصدق وما أكثرهم بين الأحزاب بخلاف من يظهرون على السطح من الذين حولهم آراء، ويشوهون صورة الأحزاب، ويقللون من مقدرتها على حكم السودان، ونكرر القول بأن بلادنا في مرحلة خطيرة وتحتاج لكثير من التضحيات ونكران الذات، ونعني بهؤلاء بعض رجال المؤتمر الوطني وكأنهم خلقوا ليحكموا السودان، وكأن حواء لم تلد مثلهم، وهم يرون بأنهم جاءوا بانتخابات ديمقراطية، ولابد لهم من البقاء حتى يكملوا دورتهم وهذا مفهوم خاطئ، ونقول بإن الديمقراطية لن تتحقق إذا أصبح المؤتمر الوطني على سدة الحكم، وهذه حقيقة يجب أن يعلمها بعض قيادات الأحزاب التي تسعى للمشاركة لتحقيق مصالحها الذاتية الضيقة وليذهب السودان، إنني أقول لهؤلاء إذا ساعدتم في بقاء المؤتمرالوطني حاكماً بمشاركتكم فلن تكون هناك ديمقراطية حقيقية، وستأتي الانتخابات مثل سابقتها، ولن ينال فيها المرشح في الصندوق لاصوته ولا أصوات أسرته، وتلك تجربة قد عبرت بنا وإذا أردنا عدم تكرارها فلا ندخل باي نوع من المشاركة مع المؤتمر الوطني، ولا أن نساعده أن يبقى الحكم بحجمه الحالي وسلطته التي تؤهله أن يفعل ما يريد ويعود مره أخرى، وهذا معناه النهاية الأبدية لأهل السودان وللديمقراطية.. اللهم قد بلغت فاشهد.