لازالت سلبية في المواجهة السياسية، فسلبية في المواجهة الاجتماعية التي لها تأثير مباشر على المواجهة السياسية، ثم أن الصراعات القبلية أثرت على هذه القيادات السياسية مما قاد في أغلب الأحيان إلى إقصاءات سياسية لرموز سياسية أثر ذلك سلباً على أداء الحزب ونشاطه على مستوى الولاية والمركز، ثم أن المركز نفسه «المؤتمر الوطني» يبدو أنه في زحمة تلاحق الأحداث السياسية بهذه الولاية قد آثر ترك مطحنة الصراع هذه وغربالها داخل الولاية أن تدور وتطحن دون تمييز رغم أنه يعلم أن نشاطات الأحزاب التقليدية الأخرى قد تقلصت لعدم إقتناع الشارع السياسي بها، إذاً فالساحة خالصة للمؤتمر الوطني إذا ولج اليها من أبوابها وأحكم رتاجها بصدق الاختيار للأقوياء الأمناء من أبناء الولاية دون تمييز حتى لا يفقد ما تبقى له من قواعد في أوساط المستنيرين وليس المستثمرين، والمؤتمر الوطني يدري تماماً أن الغريم المنافس في ساحة النيل الأزرق السياسية والاجتماعية هي الحركة الشعبية التي بلا كوادر سياسية سوى سواقطه من المهمشين والمحبطين من بعض السياسات أو المتطلعين للمناصب الذين اجتذبهم بريق السلطة في شواغر الحركة الشعبية. إن مالك عقار أمامه حلان لا ثالث لهما لحل معضلته السياسية، الحل العسكري هو ما ظل يلوح به بمناسبة وبدونها وقد سلكه من قبله عبد العزيز الحلو بعد هزيمته الانتخابية، وهو بهذا الخيار سيفقد القواعد التي بناها وسط مكونات النيل الأزرق المختلفة، ثانياً أن الخيار العسكري خيار يجرجر دولة الجنوب لهذا الصراع ويضعها في مواجهة مباشرة مع جمهورية السودان ويلفت اليها نظر المجتمع الدولي باعتبارها عدائية منذ ميلادها وداعمة لتمرد الأمر الذي سيؤلب عليها مجموعات دولية وإقليمية تساند السودان. إن الحل العسكري إذا اختاره مالك عقار إنما هو انتحار عسكري وسياسي ويبدو أن أحداث عيد الفطر المبارك قد أكدت اختياره ونهجه في ادارة الصراع بالنيل الازرق. هذه الاحداث تؤكد ضلوع الجيش الشعبي على الحدود في مجرياتها وان مالك عقار إنما كان يضمر شراً عند احتجاجه وطلبه سحب القوات المسلحة من المدن وكل مظاهر الاستعداد إلا أن ذلك الاستعداد أطاح بالفكرة والتنفيذ توقيتاً وموقعاً ولا زالت الأيام حبلى. أما الخيار الثاني الذي كان ولا يزال أمام مالك عقار هو الخضوع التاريخي والدستوري والقانوني ثم الاجتماعي للسودان الواحد بما يمهد أمامه الطريق إلى سدة الحكم والياً ثم رئيساً إذا أراد لهذه الجمهورية عبر الانتخاب الحر والفوز الفعلي وليس المسرحي الممنتج إو المرهوب بالنجمة او الهجمة. إن اختيار مالك للخيار العسكري يفرض على الكيانات كلها في النيل الأزرق حزم أمرها، وأيضاً على المركز فرض خيارات أهمها جمع شمل النيل الأزرق قبل فوات الأوان وقبل ضياع الهوية، لقد فرضت الأحداث الجارية تغييراً سياسياً آنياً له حساباته، ومتغيرات الموقف العسكري المتلاحقة تحتم للضرورة على المركز وضعها في حساباته الآنية واللاحقة أيضاً. إن المكون السياسي بعد أحداث عيد الفطر يتطلب إزالة الفطريات التي علقت بتوجيهاته ومساراته، إنه في حاجة ملحة للملمة ثم خلخلة وغربلة بغربال متعدد الفتحات صغيرة ومتوسطة وكبيرة ليسقط من بينها من يسقط، ثم أنها بعد الغربلة تحتاج إلى تمحيص وتدقيق تغافل عنها المركز زمناً لأسباب قد آن الاوان لعودتها ومن ثم تأتي مرحلة الرعاية اللصيقة مع المرونة تم التوجيه بعد اعادة التأهيل لامتصاص الصدمة التي حدثت وتخفيف اثرها على المكونات التي تشاغل عنها المركز في هيجان الانتخابات السابقة بالولاية. من العوامل المؤثرة على حل المعضلة الماثلة في النيل الأزرق الجوار الاثيوبي بكل متناقضات الماضي ومعطيات الحاضر السياسي والدولي ومستجدات الأحداث المتوقعة في منطقة القرن الافريقي والدور الاثيوبي المتوقع وحسابات الربح والخسارة لكل الأطراف، فأثيوبيا دورها معلوم في الصراع السابق مع الحركة ودورها أيضاً مقدر مع دول الإيقاد في تحقيق السلام الشامل وكل ذلك يفرض عليها موقفاً ما تجاه الاحداث التي تدور الآن في جنوب النيل الأزرق ويبدو بقراءة متعمقة لموقف الجار المتأرجح فإن الكفة فيما يبدو لي سترجح لصالح الحركة الشعبية بالسكوت في الاحتفاظ بمنطقة نفوذ أو قاعدة انطلاق كما كان سابقاً مقابل وعد أو وعيد وبالطبع ليس من الحركة واللبيب بالإشارة يفهم. إن تحذير الولاياتالمتحدة للحركة الشعبية بعدم ابتدار أو افتعال الأزمات مع جمهورية السودان، إنما هو ذر للرماد على العيون، كما أن أثيوبيا في موقف لا تحسد عليه فعينها على اللحم والشحم والعظم معاً جميعاً وهذا يوضح لنا سر الوساطة الرئاسية الأثيوبية لحل المشكلة الكائنة بجنوب النيل الأزرق وما استجد من اتفاقيات جانبية، إنها تحركات جميعها تصب في اتجاه المصالح الأثيوبية بالدرجة الأولى. إن طرفي المعادلة السياسية والعسكرية في جنوب النيل الأزرق قد سنحت لهما فرصة ثمينة من مساحة وقت الوطن الغالي كان يجب استغلالها لحل معضلة الحكم في هذه الولاية حتى لا تسقط في خضم الصراعات والتآمر الذي تشهده ولاية جنوب كردفان، ولكن يبدو أن الحركة أرادت استباق الإرادات الشعبية والقدرات الحكومية فأشعلتها حرباً وأي حرب: لقد كانت القوات المسلحة على قدر التحدي والتوقع ميدانياً لقد كان الترصد والتتبع والتقييم والتحليل لتحركات مالك وقواته صحيحاً، لذا كان الإجهاض سريعاً.. لكن واقعنا السوداني يحكي أننا لا نريد إجهاضاً للعملية السلمية ولا نريد إجهاضاً لتطلعات إنسان الولاية والسودان، ورغم كل ما جرى نرى أنه لا زال لدى طرفي معادلة الحكم «رغم اختلاف المعايير والموازين الآن» الفرصة بالجلوس معاً في إطار الدولة الواحدة -لا الدولة الواعدة كما يحلم البعض- رغم عدم مصداقية مالك في قوله وكل أقواله التي يطلقها في أنه مع وحدة الوطن دولة وكيانات وشعباً. حقيقة أخيرة يجب علينا أن نذكرها دائماً في أي أمر مقبل مع الحركة الشعبية في جنوب النيل الأزرق إنها بتمردها قد فقدت وطنيتها ورئيسها مالك عقار قد فقد وضعه السياسي والدستوري، وبالتالي فهو خارج لعبة كراسي الحكم في هذا السودان، وأمر آخر كان يمكن للمركز تعرية الحركة وبيان موقعها لو ترك انتخابات جنوب النيل الأزرق سارت كما أراد لها المواطن ولسقطت النجمة وكان في الإمكان امتصاص الهجمة بإرادة شعبية وعزيمة وقوة حكومية. إن قيام مالك عقار أو جيشه بأي عمل عسكري من شأنه إعادة الولاية إلى مربع الحرب سيفقده السند الداخلي والخارجي و«قد فقد الداخلي»، إنها معادلة حلولها لكلا الطرفين من نوع السهل الممتنع ما لم تتوفر لديهما معاً المصداقية والشفافية، إما من جانب الحركة الشعبية فأضيف لها أن تتسم وتتصف بالوطنية.