حين يقال (فاعتبروا يا أولى الأبصار)،، يقصد أنظروا وتمعنوا في السوالف من المحدثات والمحيطات من التفاعل والمقبلات من العوادي.. وهذه هي الحياة.. بما فيها ومن على الأرض وفوقها، وماتحتها لنيل المفيد والمهم لكل حي.. لكننا نحن البشر قد خلقنا في أحسن تقويم.. وفضلنا على غيرنا من المخلوقات، لأننا سنكون حراك الدنيا هنا.. ومآلات الآخرة هناك،، وجدير بالملاحظات أن حب الإنسان للحياة والخير يجعله تلقائياً يحذو لاحاطة نفسه بما يحقق ذلك (أي الخير) ولهذا وجهه المولى سبحانه بأنه قد تميز عن غيره بالفعل المدرك.. وأن ليس له إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى.. وهنا فصّلنا نحن (سعينا) و (جهدنا) و (اجتهادنا) هذا وإن أوفق وأوثق الجهد ما كان على (مرجعية) تتوالى نتائجها عياناً جهاراً لا تخفى منها خافية.. فقياس هذا بذاك ومقاربة هذه بتلك تنير الطريق وتحدث العبرة.. إلا من أبى.. وهنا عليه تحمل كبواته وتعثر خطاه.. فعلَّمنا نحن منطق الإدارة ..(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. فالإمام راع ومسؤول عن رعيته.. والرجل راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.. والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته.. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وحذرنا نحن كذلك من الغفلة والسهو... وقيل لنا:( من رعى غنماً في أرض مسبعة- أي بها سباع- ونام عنها تولى رعيها الأسد) كما ذكرت لكم يوماً.. وأمرونا أن نطلب العلم (بعيداً) ولو في (الصين) وكذلك فنون ومهارات القوة والفتوة.. فقيل لنا أيضاً علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً) حتى قال شاعرنا: وينشأ ناشيء الفتيان منا على ما كان عودة أبوه ولهذا لا نتركهم وراءنا عند صلاة الفجر منفذين فيهم-أي الصبيان والصبايا- مروا أولادكم بالصلاة لسبع (سنين) وأضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع-أي على الأسرة- كل هذا لنقول إن لنا مرجعية في التربية.. وفي تعليم أنفسنا، وأبنائنا، ومن هم حولنا، ولنا مرجعية الاجتماعيات والذوق والأدب الرفيع، واحترام مقاماتنا وأعمارنا، حتى كيف نأكل وكيف نجلس له- وكيف نبدأ وماذا نقول.. ومتى ننهض عنه إن كان معنا آخرون... وهكذا.. ولنا مرجعياتنا السياسية والاقتصادية، ومراقبة غلاء الأسعار ومراقبة ألسن البشر- فهي مرجعية تحوطية واحترازية ولنا التوجيه أن نكون على القمة دائماً (كمسلمين) وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس.. ويكون الرسول عليكم شهيداً) والصقنا الديباجة الباهرة:(.. (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) فإذن الأرشد هو الذي ينظر في كل ذلك فيفقه ويدرك معنى (... فاعتبروا يا أولى الأبصار) وأصعب ما نواجهه هو كيف ندير شؤون الآخرين.. من طمأنينة ومعيشة وتدريب وعزة وتفعيل للحياة.. وتأهب للجائحات.. وفك للمتشابكات لهذا- كما ذكرنا لكم يوماً- أنظروا تطورات وخرائط التاريخ في أرض السودان.. وتداخلات المجتمعات.. وتقلبات الأنظمة والثورات.. الراشدة والمتداخلة.. والأخرى (الداخلية)... من كل هذا اكتسبنا دراية ودربة وخبرات.. وصرنا نعبد الله على كراسي الإمرة.. وباعداد الراجمات ونعبد الله باليقظة في الملمات ونعبده أيضاً في الهنييء من (الوجبات.. وبخلوص النية (إنما الأعمال بالنيات) كما أرشدنا المصطفى (صلى الله عليه وسلم).. بخلوصها -أي النيات- صار سعينا كله لله.. حتى قالت نساؤنا في قرية (السقاي) بريفنا الشمالي (البحري) قالت النساء: (أرموا قدام ورا مؤمن) وتعني النساء تقدموا لمواقع الأحداث والطوارئ.. فإن بيوتكم في أمان بنا نحن أخوات (نسيبة) ورصيفات (خولة بنت الأزور) التي زعزعت الفرسان حين أطاحوا بشقيقها (ضرار).. هذا السياق الذي يحمل الإشارات لكل من يريد أن يتوسع أو يتبدر.. نأخذ منه(عبرة) أن من لم يستفد من درس الأمس سيتلف نفسه وبضاعته أياً كانت هذه (البضاعة).. فإن وضعنا في موازيننا فقط ما نعايشه حولنا.. ندرك أن التجربة خير برهان.. مع إدراك أن الأمر كله بيده (تعالى) ولكن قال لنا سبحانه (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).. فإذن المنهج والمرجعية قد حسمتا كل (الدخن) وتبقى فقط المعاودة والمراجعة: و(أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها) كما أثبت المصطفى صلى الله عليه وسلم)- ثم النظر في(الإعداد) لأن الدنيا من حولنا ترصد بالأجهزة ما يدور حتى داخل الغرف المغلقة والمنازل.. فإذن فلنصنع نحن (موانع) و (سواتر) و (مشوهات) لما يلتقط من داخل الغرف هذه.. لنقول بأن (حذيفة) قد قرأ الحديث الشريف النابه (رحم الله أمرءً عرف زمانه فاستقامت طريقته) وأن اللواء يحيى محمد خير حاكم النيل الأزرق قد سمع (داوية) عمر- ياسارية الجبل.. وهو جبل (الكرمك) الذي لفت النظر إليه الشهيد الزبير محمد صالح وقتها.. وأن أحمد هرون حاكم جنوب كردفان.. أتبع أقواله بأفعاله،،لو استقبلت من أمري ما استدبرت لقضيت في كل محلية ردحاً.. وكل هذا لا يستكمل إلا إذا أخذنا بالحكمة ( لا يلدغ المؤمن الحقيقي- من حجر واحد مرتين) و (علموا أولادكم..) و (شاورهم في الأمر).. (فإذا عزمت فتوكل على الله..) ومقابل ذلك أن من استهون بمقدرتك أنت ومرجعيتك ولم يقرأ أو يتعظ بمجالداتك ووثباتك في المواقف الفاصلة.. فقد هوى.. وبرغم إحاطتك ومراقبتك قيل لك (..لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) ولكن من اعتدى دارت عليه الدائرة.. ولينظر الآخرون لمآلات ما وصلوا إليه.. حين لم يتعظوا بما عايشوا أو جاءتهم به المستندات والوقائع، أو نقلته إليهم الأخبار.. وما شأن إضاءات التاريخ منا ببعيد.. أو الذي يدور حولنا من تهديد بالوعيد أو قرارات ملتهبة.. أو احتشاد لإبادة القابضين على الزناد وهم يقولون- أي القابضين- «الزارعنا غير الله اليجي يقلعنا».. واللبيب بالاشارة يفهم.. و (ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم.. كما أرسى المصطفى صلى الله عليه وسلم.. والله أكبر.